عانى التعليم المصري خلال السنوات الأخيرة من سلسلة من الإخفاقات, تنامت فيها الفجوة بين إستراتيجية الدولة فى إصلاح العملية التعليمية ومعيار الجودة الذى يشكل جسراً حيويا بين التعليم التقليدي وأساليب الحياة الحديثة ومتغيراتً العصر، لتخريج جيلا ذكيا قادر على تطويع التعليم للنهوض بشتى الميادين الاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق نجد أن الجودة هى معيار الشعوب فى قياس مدى نجاح العملية التعليمية، وهو ما أخفق فيه التعليم المصري الذى جاء فى مؤخرة 148 دولة تقدمت للاعتماد على المستوى العالمي، فعلى مستوى الجامعات والمدارس المصرية، نجد أن جامعة القاهرة هى الوحيدة التى نالت شرف الانضمام للاعتماد العالمي الذى لم تحظ فيه بمرتبة تذكر، ويبرر الخبراء هذا الإخفاق المخزي فى قيام التعليم المصري على الحفظ والتلقين لا على الشك والتفكير، الذى يثقل ذكاء الفرد ويجعله قادرًا على مواكبة واستيعاب التغيرات من حوله. ويبدو أن الإخفاق على المستوى العالمي قد ارتبط بسلسلة من الإخفاقات على مدى الأربعة سنوات الماضية، فمنذ عام 2009 وحتى عام 2013-2014 نجد أن عدد المدارس العامة التي تقدمت لاعتماد الجودة قد انخفض من 1300% إلى 190% فقط، حيث لم تقم الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد سوى بزيارة 194 مدرسة من بين 848 مدرسة تقدموا للاعتماد ،فيما تم قبول الوثائق الخاصة 572 فقط ورفض 276 مدرسة بحجة قفل باب التقدم فى 20 مارس 2014 الماضى. وعلى صعيد المدارس الخاصة فقد شهدت هى الأخرى تراجعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة فمنذ عام 2009 وحتى عام 2013 وصلت معدلات التقدم للاعتماد من 2000% إلى 1400% فقط. الأمر الذى يشكل ضربة قاسمة فى مفهوم الجودة الشاملة فى التعليم الذى من شأنها أن تؤخر دخول مصر إلى ما يسمى بعصر الجودة الذى تعاصره الكثير من الدول على مستوى العالم. والذى دفع بالقائمين على الجودة الشاملة فى مصر إلى التفكير فى مفهوم جديد أطلقوا عليه الجودة الشاملة على الصعيد المصري كمعيار أساسى وجوهري لتقييم جودة العملية التعليمية فى مصر. ويبدو أن المسئولين قد تناسوا تماما أن الجودة الشاملة هى عملية عقلية وديناميكية قائمة على نشاط القائم بالعمل الذهني والجسدي، والموجه في إطار محدد من معايير السلوك والتفكير الجيد الذى أمرنا بها الله عز وجل وحثنا عليه رسولنا الكريم، ففى الآية الكريمة قال تعالى: ”صنع الله الذي أتقن كل شيء” (النمل ،88).“وكذلك قال تعالى في محكم تنزيله “إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا” (الكهف،30). وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :”إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” (رواه مسلم).ونلاحظ من خلال الآيات الكريمة والحديث الشريف الحث على الجودة فى توظيف ما تعلمه المرء فى عمل نافع وبدرجه عالية من الإتقان يرضاها الله ورسوله. ومن جانبه أشار الدكتور مجدي آثم رئيس الهيئة القومية لضمان جودة التعليم،إلى أن عمل الهيئة ينحصر فى مراقبة أداء العملية التعليمية، حيث لوحظ خلال الفترة الأخيرة قصورا شديداً فى الأداء وانشغال كبير عن مستوى الجودة في العملية التعليمية. ونتيجة لذلك نجد التدني الملحوظ بين التعليم المصري ونظم التعليم بالدول الأخرى،فنجد أن التعليم الجامعي على سبيل المثال ليس له معيار ملموس فى الترتيب العالمي،باستثناء جامعة القاهرة التى لها مشاركة وصفت بالهامشية على،كذلك جامعة واحدة في السعودية على المستوى العربي، أما على صعيد المنطقة، فنجد أن إسرائيل قد تصدرت الجامعات بنسبة 4 جامعات حصلت على اعتماد الجودة العالمي. كما شدد أثم على أن مسئولية الجودة يجب أن تقع على كاهل المؤسسات والوزارات لكنها فى نفس الوقت تقع على كاهل الفرد القائم بالعملية التعليمية. وفي سياق متصل أوضح الدكتور محمد السعيد أبو والى نائب رئيس جامعة كفر الشيخ إلى أن هناك مركزًا لضمان جودة التعليم فى كل جامعة وظيفته وهدفه الأساسي الوصول إلى الاعتماد،كذلك التنسيق بين الكليات بعضها البعض.مشيرا إلى البرنامج التأهيلى CIQAB لتأهيل كلية الزراعة والطب البيطرى للتقدم بملف الاعتماد إلى الهيئة القومية لضمان جودة لتعليم والاعتماد.مؤكداً على أن معايير الجودة تقع مسئوليتها على كاهل مركز ضمان الجودة. ولفت أبو والى إلى أن العمل بالمعايير العالمية للجودة فى مصر لم يدخل حيز التنفيذ الفعلي، فالهيئة القومية لضمان جودة لتعليم والاعتماد ماتزال تعتمد المعايير المصرية التي لا تعدو عن كونها حبر على ورق، والدليل على ذلك غياب الإقبال على المدارس أو الكليات التي حصلت على اعتماد الجود.