إذا كان إبراهيم باشا- القائد العسكري المصري الشهير- هو أول من فكر في بناء قصر في منطقة القبة، وتعميرها .. فان ابنه إسماعيل باشا هو الذي بني هذا القصر ليكون مقراً وسكناً لابنه ولي العهد.. محمد توفيق باشا، في حفل الزواج الشهير باسم «أفراح الأنجال». وهذا القصر أقيم مكان قبة الأمير يشبك الدوادار بناحية المطرية.. وهي قبة فخمة عالية بناها الأمير لينزل فيها عندما يخرج للنزهة خارج القاهرة: لطيب هوائها وتوسطها بين الأراضي الزراعية والأراضي الصحراوية الجافة، بعيداً عن ضوضاء العاصمة.. وعندما تولي حكم مصر السلطان قانصوة الغوري عام 906ه استمر يستخدم هذه القبة «مقعداً» ينزل فيه كلما أراد التنزه والرياضة وكان يبيت فيها إلي آخر مدة حكمه. بل وأنشأ بجوارها عدداً من الفسقيات يجري فيها الماء، وحفر بئراً ليشرب منها المسافرون.. وهكذا عرفت المنطقة باسم «قبة الغوري» بعد أن أصبحت من أملاكه. ولا تزال القبة موجودة حتي الآن، وظلت مستعملة مسجداًوبها محراب. وكان ذلك بداية لتعمير هذه المنطقة.. وكان الناس بجوار اسم قبة الغوري يطلقون عليها أيضاً اسم «قبة العزب». وفي سهل القبة هذا وقعت معركة عين شمس بين قوات كليبر خليفة بونابرت وقوات الجيش العثماني. المهم ان الخديو إسماعيل- عندما تولي حكم مصر عام 1863- قرر بناء قصر في هذه المنطقة.. ويحيطه بحدائق واسعة هي مضرب الأمثال لا يدانيها إلا حدائق قصر المنتزه بالإسكندرية.. وفيه أقام وعاش ابنه «توفيق» قبل وبعد أن تولي حكم مصر عقب عزل والده «إسماعيل» 1879. والغريب انه أثناء الأزمة المالية التي عاشتها مصر في آواخر أيام الخديو إسماعيل، عرض الخديو بيع هذا القصر وحدائقه مقابل 50 ألف جنيه فقط والحمد لله انه لم يتقدم أحد لشرائه.. ليبقي هذا القصر قيمة تاريخية ومعمارية وزراعية نادرة. وقد اهتم به وحافظ عليه ابنه أحمد فؤاد الذي تولي حكم مصر بين عامي 1917 و1936. كما حافظ عليه وزاده بهاء الملك فاروق الذي حكم مصر بين عامي 1936 و1952 إلي أن تنازل عن العرش لابنه الملك أحمد فؤاد الثاني الذي عاش فيه «بعض أيام» طفولته. ولم ينعم به ملكاً. ورغم ان حكام مصر الجمهورية لم يقيموا في القصور الملكية حتي لا يتهمهم الشعب بأنهم طردوا الملك منها ليقيموا فيها.. إلا أن الرئيس عبدالناصر كان يستخدمه قصراً للضيافة ينزل فيه ضيوف مصر من الملوك والرؤساء إلي أن زاد اهتمام الرئيس السادات به كجزء من سياسته لحماية هذه المنشآت العظيمة، فعني به ورممه وجدده. وزاد الاهتمام في عصر الرئيس مبارك واعتبر في عصره مقراً للضيافة. وفيه يلتقي الرئيس بكبار ضيوفه من الملوك والرؤساء، ربما ليروا كيف كانت مصر عظيمة.. وحجم وعمق ما تملكه مصر من تاريخ عظيم. وسيذكر التاريخ للرئيس مبارك انه أعاد البريق لقصر القبة بعد أن أمر بتجديده وترميمه كاملاً.. حتي عاد تحفة تفخر بها مصر. أما حدائق القصر فهي من أجمل حدائق العالم.. وتكون مع القصر وحدة عالمية تجمع بين جمال البناء للقصر.. وجمال تنسيق الحدائق المزهرة والمثمرة. وكثيراً ما دخلت هذا القصر لألتقي بالملوك والرؤساء وأجري حوارات ربما كان من أشهرها ما تم داخل خيمة العقيد معمر القذافي الذي أقامها وسط حدائق القصر. والحمد لله ان أحداً لم يتقدم لشراء القصر وحدائقه عندما عرضهما الخديو إسماعيل للبيع لتساهم حصيلة البيع في سداد بعض ديون مصر وإلا لتحولت حدائقه إلي أرض لبناء المساكن الشعبية. وأخشي ما نخشاه أن «يفكر» أحدهم في بيع كل ذلك لنساهم بحصيلة البيع في إخراج مصر من أزمتها.. وإلا لتقدم حكام قطر مثلاً الباحثون عن تاريخ لشراء كل ذلك.. وبذلك نفقد واحداً من أعظم قصور مصر وهي: عابدين الذي أقامه إسماعيل وسط العاصمة.. ورأس التين الذي بناه محمد علي في أقصي غرب الإسكندرية والمنتزه الذي بناه الخديو الأخير لمصر، الخديو عباس حلمي الثاني في أقصي شرق الإسكندرية لتصبح المسافة بين المنتزه ورأس التين حوالي 40 كيلو متراً، هي طول كورنيش الإسكندرية الذي يعود الفضل «في تحديده» إلي إسماعيل باشا صدقي في ثلاثينيات القرن الماضي. هذا الكلام وغيره.. مذكور وبتفاصيل أكثر في كتابي الشهير «أحياء القاهرة المحروسة» الصادر عام 2003 عن الدار المصرية اللبنانية. أما المناسبة فهي ذاك الاحتفال الكبير الذي يقام مساء اليوم في قصر القبة هذا بمناسبة أداء المشير السيسي اليمين الدستورية لتوليه رئاسة مصر، ويحضره عدد من ملوك ورؤساء وممثلي حكام العديد من دول العالم.. بعد أن يكون قد أدي اليمين صباحاً أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا. ويا له من تاريخ عظيم لمصر.. وعيد كبير لكل المصريين.