إلى أي مدى تستطيع دولة مثل مصر الإيفاء بالشروط الغربية للديمقراطية، خاصة أن شعار العمل لدى الرئيس القادم الفائز في الانتخابات وكذلك في أثناء معركة هذه الانتخابات كان هو تأمين الدولة وضمان أدائها لوظائفها وتعزيز وجودها؟ إن هذا السؤال الذي يعيد طرح نفسه من جديد بعد الانتخابات هو سؤال يصوغ علاقة الدولة في مصر والديمقراطية كثنائيتين متناقضتين، وذلك في ضوء المعنى المطروح غربياً للديمقراطية . والجواب عن السؤال هو أن مصر لن تستوفي فقط هذه الشروط ما دام أن الشروط الغربية هي مسيسة وأن الديمقراطية بحسب المفاهيم الغربية هي أداة ضغط سياسي ومطرقة فوق الرؤوس في عالمنا العربي متى شاء الغرب ذلك . لماذا يجب أن يكون الغرب حكماً على التجارب السياسية للشعوب بحيث إن هذه التجارب يجب أن تخضع للثقافة السياسية الغربية التي لا بد لها أن تعمم عالمياً من دون النظر إلى خصوصيات الشعوب والمجتمعات وظروفها السياسية والتاريخية وأولوياتها على مستوى الواقع؟ لقد ابتزت الدول الغربية نظام مبارك طويلاً باسم المبادئ الديمقراطية وذلك بما سمح، كما تبين فيما بعد، باضعاف الدولة المصرية وفقدها لهيبتها وحضورها ولبعض مهماتها ووظائفها الأساسية . وسيستمر الأمر في رئاسة السيسي خاصة أنه "العسكري" الذي جاء إلى الحكم انتخاباً وهو كذلك من راهن على تصويت أغلبية الشعب له وخاطبهم بذلك لأجل تشكيل قاعدة شرعية صلبة لحكم يستقوي بإزاء الانتقادات والشكوك الغربية . وها هي الانتخابات الأخيرة موضوع للتناول الهجومي من الإعلام الغربي بما يقود إلى استنتاج وحيد وهو التقليل من شأن انتخاب السيسي . وليس هذا دفاعاً عن هذه الانتخابات التي ظهرت إشكالات في إدارتها وفي شكل إقبال الناخبين عليها، ولكن هنالك فرق بين وجود هذه الإشكالات وما تكشف عنه بحيث يكون ذلك لحظة فرز وإضاءة للمستقبل المصري وبين الاستخدام الغربي لهذه الإشكالات لهدف استضعاف الجمهورية القادمة بكل برنامج عملها كاستعادة قوة الدولة وتنمية المجتمع . إنه لوهم خادع أن تتحول القيم الديمقراطية الغربية إلى قيم مطلقة في أذهان الشباب المصري الذي كانت لبعضه أساساً ل"ثورة" يناير، وتحولت فيما بعد إلى سبب للمعارضة السلبية والعزوف عن المشاركة في العملية السياسية، حيث كان إحجام الشباب عن المشاركة في الانتخاب مظهراً لذلك العزوف . بدل الدوران حول استيفاء الشروط الغربية لمعنى ما هو ممارسة ديمقراطية (وكأن هذا هو ما يجب أن يكون) يجب الالتفات إلى أهمية الديمقراطية الحقيقية وهي الديمقراطية الاجتماعية وتحقيق العدالة في المجتمع وشرط الكرامة الإنسانية . الديمقراطية الحقيقية هي رفع ملايين المصريين من وهدة حياة الحرمان والبؤس وتحسين شروط معيشتهم وحياتهم بما يبث روح الأمل في الكيان المجتمعي ويضعه في قطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تخرج البلد من دائرة التراجع والإحباط . ولن يقوم بذلك نظام ديكتاتوري أو فردي الزعامة والقيادة بل نظام يقوم على المشاركة والاندماج الجماعي للناس وقوة المؤسسات . إن القيم الديمقراطية على الطراز الغربي، تلك التي تقوم على الفوقية وتحريك الخيوط من خلال الدعم المالي والارتهان للمعونة لن تقود إلى تغيير حقيقي في عمق أزمة كتلك التي تعيشها مصر .