بين سيارة وأخرى يتنقلون، وأسفل الكبارى ينامون، بعد أن أصبحت الأرصفة والحدائق العامة وأنفاق المشاة مأوي لهم، يستترون بها بعد أن فقدوا الأمان، ولم يجدون اليد الحانية التي تمتد إليهم برفق وتمسح دموعهم فلجأوا إلي الشارع ليواجهوا التشرد والضياع.. إنهم أطفال الشوارع الذين احترفوا التسول وبيع السلع الهامشية كالكبريت والمناديل واللبان من أجل سد رمق الجوع، فقد نهش الفقر أجسادهم حتي تحولوا إلي أشباح أطفال. وبالرغم من تفاقم تلك الظاهرة وخطورتها علي أمن المجتمع، مازالت الحكومة تقف عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة لها. قامت «الوفد» بجولة في شوارع القاهرة لتنقل بالكلمة والصورة حكايات وقصص مؤلمة لأطفال الشوارع، الذين لا يقتصر استغلالهم في مصر من الناحية السياسية فقط ولكن يتم أيضاً استغلالهم جنسياً أيضاً، ويعد هذا أبشع صور الاستغلال التي يتعرضون لها.. وذلك وفقاً لتقرير أصدرته الأممالمتحدة في مسح تم إجراؤه على أطفال الشوارع في القاهرة والإسكندرية، مؤكداً أن نحو 66٪ من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع يتناولون بانتظام عقاقير خطرة، وأن 80٪ منهم معرضون لخطر العنف البدني من جانب مستخدميهم وأقرانهم، و70٪ منهم تسربوا من المدارس، و30٪ لم يلتحقوا بالمدرسة من الأساس. وكشفت تحقيقات نيابة حوادث وسط القاهرة منذ فترة قصيرة قيام سيدة أمريكية باستقطاب أطفال الشوارع وتدريبهم علي فنون القتال داخل شقة في ميدان التحرير لإجبارهم علي المشاركة في المظاهرات ومهاجمة قوات الجيش والشرطة وإثارة الفوضى والعنف بهدف زعزعة الاستقرار وذلك مقابل مبالغ مادية، علماً أن كل هذا حدث تحت ستار جمعية تسمي «بلادي لرعاية أطفال الشوارع».. وليست هذه هي المرة الأولي التي يتم فيها استغلال أطفال الشوارع، ففي «القليوبية» قام عاطل يبلغ من العمر 28 سنة باستغلال أطفال الشوارع في التسول والتعدى جنسياً عليهم في الشوارع والأنفاق العامة. ونظراً لخطورة تلك الظاهرة، أكد عبدالفتاح السيسي -المرشح الرئاسى- أن ظاهرة أطفال الشوارع مؤلمة إنسانياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً، وهذا الموضوع يرتبط بقدرة مصر الاقتصادية، لافتاً إلي أن الدولة التي تنعم برواج اقتصادى ليس لديها أطفال شوارع، ومصر لديها عدد ليس بالقليل منهم ولا يتوفر بشأنهم بيان دقيق. ونحن نعرض هنا جزءاً بسيطاً مما يتعرض له هؤلاء الأطفال في الشوارع.. اقتربنا منهم واستمعنا لهم وتعاطفنا مع أحلامهم الضائعة. مآسى إنسانية «حودة» -البالغ من العمر 12 عاماً- هو أحد آلاف الأطفال المشردين الذين ينامون في الشوارع وليس لديهم منازل تؤويهم.. يقضى «حودة» ليلة تحت أحد الجسور، بينما يمضي أوقات النهار في مسح زجاج السيارات وتقديم خدمات أخري بسيطة مقابل ما يسد رمقه.. يقول «حودة»: في كل مرة أذهب إلي بيت والدي يطردني وذلك بعد أن طلق والدتي وتزوج بأخرى. وعلي مسافة قريبة منه، كانت تقف «وردة» التي لا تتجاوز ست سنوات. تقوم ببيع المناديل وهي تبدو كالوردة الذابلة، نظراً لجسدها النحيف وعلامات البؤس الواضحة علي وجهها، وتراها تبتسم ابتسامة تخفي وراءها أحزاناً لا تنتهي. أما أكثر المشاهد البائسة، فكانت لطفل يبحث عن بقايا حطام وسط أكوام من القمامة، فقد وقف بملابسه البالية وتعلو وجهه علامات الفقر والمرض، يبحث بشغف عن أي شيء ليسد جوعه من بقايا طعام ألقاها الأغنياء بعد أن لفظه الجميع ولم يجد من يحنو عليه. المشهد ازداد سواداً عندما التقينا بالطفلة «فرحة» التي لم تعرف معني الفرح طوال حياتها وهي تبلغ 17 عاماً، تقول بأسى: نشأت في أسرة مفككة كان أبي يضرب أمي كثيراً دون سبب، وبعد وفاة والدتي قررت الهروب من أبي وتعرفت علي مجموعة من الفتيات جعلوني أنساق معهم إلي عالم الدعارة والمخدرات. وإذا جلست تحت كوبري الساحل من الساعة السادسة مساء وحتي الثالثة صباحاً، يبدأ «ملتقى الكيف» في التجمع، شباب وأطفال في عمر الزهور يلجأون بشكل يومي إلي هذا الملتقي المعلق ليختبئوا أسفله من ضغوط الفقر وقسوة التربية وفشل الدراسة ليجدوا متنزهاً جديداً به ملاذهم الكبير، قد يهربون إلي عالمهم الخاص عبر سيجارة حشيش أو سيجارة بانجو أو سيجارة تبغ.. وقد سبق أن وقعت حوادث كثيرة أسفل هذا الكوبرى الذي مع سواد الليل يكسوه الظلام الدامس وينبعث منه دخان المخدرات ليلاً. تقرير: مئات الأطفال شاركوا في أحداث «الاتحادية» و«محمد محمود» أعلن المجلس القومي لحقوق الإنسان خلال تقرير لجان تقصى الحقائق حول أحداث الاتحادية لعام 2013 أنه تم القبض على 481 طفلاً في أحداث محمد محمود الأولى في نوفمبر 2011 حتي أحداث الاتحادية الأخيرة بواقع 73 طفلاً في أحداث مجلس الوزراء و61 في الداخلية و137 في أحداث السفارة الأمريكية، و173 في محمد محمود الثانية، وتم القبض علي 11 طفلاً في أحداث العباسية، أما في أحداث الاتحادية فقبض علي 11 طفلاً.. باختصار لقد تم استغلال هؤلاء الأطفال في تأجيج العنف عقب ثورة 25 يناير، مما يعد أمراً متوقعاً بعد إهمال الدولة خلال السنوات الماضية لتلك الظاهرة.