لا نعلم على وجه اليقين أسماء السادة أعضاء اللجنة المشكلة لوضع قانون مجلس النواب.. ولكن ما نعلمه جيداً أن ستة عقود ويزيد من الشمولية والتلقين والقهر قد أتت ثمارها فى طريقة تفكير البيروقراطية المصرية وممثليها من متخصصين فى مختلف المجالات... وجاءت أعمال تلك اللجنة خير دليل على ما أثمرته سنوات الاستبداد... الانتخاب فى العالم كله يقوم على النظامين الفردى والقائمة... الفردى مطبق فى دول ديمقراطية عديدة وله قواعده وطرقه وأهم قواعده نظام تقسيم الدوائر الذى يتيح للنائب أن يكون على صلةحقيقية بالناخب وعليه تكون الدوائر صغيرة لمواجهة أو تقليل آثار المال السياسى والعصبية والبلطجة... القائمة أنواع: النسبية المغلقة والنسبية المفتوحة والقائمة المطلقة ولها أيضاً قواعد متعارف عليها تحقق الفائدة المرجوة منها ففى النسبية المغلقة يتم التعبير عن التمثيل السياسى للقوى المختلفة بأحجامها ويتم تفادى أحد عيوب الفردى الذى يفوز ب«50٪ +1» بينما يتم إهدار 49٪ من أصوات الناخبين بلا تمثيل... وقيل إن عيب هذه القوائم تحكم الأحزاب فى ترتيب أسماء من يتم اختيارهم وعدم وجود صلة بين النائب ودائرته... بعكس النظام الفردى الذى يعظم العلاقة بين النائب ودائرته... لمواجهة عيوب النسبية المغلقة كانت النسبية المفتوحة بأن يكون للناخب حرية تشكيل القائمة من مختلف القوائم فلو كانت القائمة تشمل عدد ستة أعضاء يقوم الناخب باختيارهم من القوائم المختلفة ويضع ترتيبهم كما يشاء فيختار 1، 2 من القائمة أ، و3 من القائمة ب و4 من القائمة ج و5، 6 من القائمة، وتقوم لجنة الفرز بعد ذلك بتحديد أعلى رقم 1، ثم أعلى رقم 2 وأعلى رقم 3 وصولاً لا على رقم 6 فتكون القائمة الناجحة خليطاً القوائم... وبذلك يتم القضاء على فكرة تحكم الحزب فى اختيار الترتيب ويختار الناخب من يشاء من النواب من مختلف الأحزاب فتتحقق فائدة علاقة النائب بالدائرة وتتحقق فائدة توزيع المقاعد بصورة نسبية لكل قوى وأطياف المجتمع طبقاً لتواجدها وأوزانها... أما القائمة المغلقة المطلقة فهى اختراع نازى بامتياز وهى تجمع ما بين كوارث الفردى وكوارث القائمة فالقائمة الحائزة على 50٪ + 1 تفوز بالكامل ويتم اهدار 49٪ من الأصوات وبالتالى يكون الفائزون هم تعبيراً عن اختيارات الحزب وقدرة هؤلاء الفائزين على التأثير على صانعى القرار الحزبى وليس تعبيراً عن اختيار الناس... وهى مفسدة للأحزاب لأنها تعزر الانقسام والخلاف الداخلى وصولاً للانفجار وتعظم قيم الانتهازية والنفاق العام فيصبح اختيار الأعضاء خاضعاً للهوى والميل الشخصى لدائرة صناع القرار الحزبى وتكون آثارها فيما بعد شديدة السلبية على علاقة الشارع بالأحزاب... وعلاقة الأحزاب بصناعة القرار العام فى تشكيل الحكومات مما يجعل الأمور العامة فى مهب الريح خاضعة للأهواء والتقلبات الشخصية والكيد والمؤامرات طبقاً للمصالح الخاصة ويتراجع الصالح العام وتغيب الجماهير عن المشهد... اللجنة المكلفة بوضع قانون مجلس النواب اختارت أسوأ ما فى التاريخ والعالم من اختيارات لتشكل به متن ومواد القانون... اختارت النظام الفردى ل80٪ من المقاعد ووعدته بعدد دوائر لا يتجاوز 250 دائرة مهللة لعملها دوائر جديدة لحلايب ووادى النطرون والمجتمعات العمرانية الجديدة... واختارت القائمة المطلقة ل20٪ من المقاعد وجعلت الدوائر عابرة للمحافظات فهناك دائرة تجمع القليوبية والدقهلية وأخرى تجمع كفر الشيخ والغربية والمنوفية ورابعة تجمع مدن القنال جميعاً ودمياط والشرقية... إلخ... فما معنى تلك الخيارات؟!... الدوائر الفردية فى إنجلترا التى يبلغ عدد سكانها ستين مليوناً لها 660 دائرة انتخابية فردية كل دائرة بنائب واحد... مصر فى عام 50 كان لها 319 دائرة فردية بنائب واحد وكان عدد السكان لا يتجاوز 19 مليوناً... الدوائر ذات النائبين اختراع استبدادى شمولى حملته رياح الناصرية فعملوا به منذ 1964 وتقسيم الدوائر كان يتم على مقاس النخبة المرشحة من قبل الصفوة الحاكمة.... فلا هى خاضعة لقواعد الاحصاء ولا الجغرافيا ولا المصالح العرفية والمجتمعية السائدة فى دائرة واحدة وكان يتم الحذف والاضافة لأى دائرة طبقاً للمزاج السياسى لمصلحة الهيئة الحاكمة... وانتهى بنا الأمر فى عهد مبارك إن أصبح عدد الدوائر الفردية 222 دائرة... اللجنة الواضعة للقانون تريد أن تجعل مصر فى طليعة الدول المخترعة للأنظمة المضحكة الفاشلة فتزيد دوائر بنائبين وأخرى بثلاثة نواب طبقاً للكثافة السكانية للدوائر الفردية القديمة فتكون المطربة مثلاً بثلاثة نواب وتكون قصر النيل بنائب واحد وتكون الزيتون بنائبين هكذا سمك لبن تمر هندى.... أما فى القوائم فجمعت محافظات على بعضها فكيف يتم اختيار ممثليها وهل سنأتى بعامل من السويس وقبطى من بورسعيد وامرأة من دمياط أم ماذا نفعل فنعكس الاختيار كيف يمكن الاختيار والترتيب وبالطبع هذا باب جديد للخلاف والانقسام والانفجار الحزبى وإذا أراد مستقلون أن يشكلوا قائمة كما يزعم القانون... فكيف يلتقون من محافظات شتى وما الجامع بينهم... انها قوائم الانفجار المجتمعى... وفى التصويت أصبحت تلك القوائم أسيرة أى تكتل تصويتى لأى مجموعة منظمة... وتبقى عدة استفسارات حول طريقة تفكير أعضاء اللجنة وهل هم حقاً مقيمون بهذا الوطن وشاهدوا ثوراته وانتفاضاته فِى الأعوام الثلاثة الأخيرة... أم أنهم ينفذون به إملاءات بعينها لمن يريدون توجيه دفة الوطن...!! المستشار محمد فوزى يرى أن تقسيم الدوائر أمر بالغ الصعوبة وليست هناك معلومات احصائية وليس هناك وقت... مصر أقدم دولة مركزية ليست لديها معلومات إحصائية..!! بالطبع لا تعليق على هذا الحديث... لماذا لا يتم اختيار نظام واحد فيطبق ونفوز بمزاياه... لماذا لا تقسيم محافظات مصر دوائر بالقائمة النسبية المفتوحة.. هذا خيار..، لماذا لا يتم تقسيم مصر الى 400 دائرة فردية وقوائم نسبية للفئات الخاصة قائمة لكل محافظة عدا القاهرة، والجيزة والاسكندرية والبحيرة والدقهلية والشرقية فتكون قائمتين... أمام الأحزاب والقوى السياسية معركة حقيقية لمواجهة الهجمة على الثورة وحقوقها ومكتسباتها... أمامنا معركة جادة لتحقيق شعارات الناس عندما هتفوا عيش حرية كرامة إنسانية... علينا تقديم المقترحات وتقسيم جاد للدوائر على كلا المستويين الفردى والقائمة... إنها معركة الوطن للنهضة والمواطنة والنور والأبواب المفتوحة والشمس المشرقة.