«تمويل الاستثمار أولا بما يحقق مصلحة الاقتصاد» هكذا يكون دور البورصة في اقتصاديات الدول.. أم ان تتحول إلي أداة لتخارج المساهمين الكبار بالشركات وتدبيس «صغار المستثمرين» والهروب من الضرائب التي منحتها الدولة للشركات المقيدة في سوق الأسهم كواحدة من المحفزات الاستثمارية، فهذا انحراف عن الدور المحدد وإضرار بالمستثمرين والدولة ولا إفادة للاقتصاد. بالأمس القريب سارعت العديد من الشركات لقيد شركاتها في البورصة لبيع أسهمها للمتعاملين والتخارج، بهدف الاستفادة من الإعفاء الضريبي المقرر علي عمليات نقل الملكية بالبورصة، ولعل المراقب للأحداث يتبين ما أثارته في هذا الصدد شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة والصراع والاتهامات مع مصلحة الضرائب بشأن التهرب الضريبي والخاصة ببيع الأسهم المملوكة لها في شركة أوراسكوم بلدنج ماتريالز هولدنج والمعروفة بصفقة «لافارج» والتي نفذت بالبورصة منذ سنوات، والاتهامات التي طاردت أوراسكوم أنها قيدت الشركة فترة محددوة لتنفيذ الصفقة وعدم دفع الضريبة، ثم تكرر مرة ثانية ولكن هذه المرة تعاملت البورصة مع شركة «تبي إن هولدنجز» وتم التعامل مع القيد كأن لم يكن. اليوم ومع طرح شركة «العربية للأسمنت» أثير جدل كبير واتهامات بأن اكتتاب حصة من الشركة في البورصة كان بهدف تخارج واحد من المستثمرين الكبار في الشركة، ولم يكن الطرح نابعا من إرادة داخلية بالشركة، وإنما الظروف اضطرتهم إلي ذلك بسبب تخارج المساهم، وبالتالي لم يكن هناك أفضل من البورصة لإجراء اكتتاب عام الاستفادة من الإعفاء الضريبي الممنوح للشركة في حالة نقل الملكية بالبورصة، حيث إن نقل الملكية لو تم خارج البورصة سيعد استحواذاً وبالتالي يخضع للضرائب. سألت محمود جبريل خبير أسواق المال حول مثل هذه الطروحات ومدي استفادة مجالس إدارة شركاتها من الاكتتاب ونقل الملكية في البورصة أجابني قائلاً إن «بعض الشركات تلجأ إلي طرح حصة في البورصة بهدف الاستفادة من الإعفاءات الضريبية المقررة للشركات المقيدة، ولان هذه الشركات في حال تنفيذ صفقة نقل الملكية بخارج البورصة ستدفع عليها ضرائب». وفي حالة العربية للأسمنت وهو الطرح الذي شهدته البورصة مطلع الأسبوع الماضي وفقا ل«جبريل» فانه أثير حول الطرح العديد من علامات الاستفهام، إذ ان الشركة تواجه العديد من العقبات في قطاع الأسمنت ومنها القضايا المرفوعة ضدها من وزارة المالية، وانه بنظرة تحليلية وفنية لحركة السهم باعتباره أول طرح بالبورصة منذ 4 سنوات يتبين ان أداء باقي شركات القطاع بالمقارنة للشركة أفضل بكثير، خاصة أن حركة جميع الأسهم المقيدة بالسوق تحركت بصورة جيدة مع ارتفاعات المؤشر الرئيسي، وهو أمر لم يحدث مع سهم الشركة. «ليس هذا فحسب بل إن الإعفاء الضريبي الممنوح للشركة منذ سنوات بهدف التحفيز والتشجيع انتهي بنهاية العام الماضي، وبالتالي كان الطرح بالبورصة هو الخيار الأفضل، والذي يعد استخفافا بصغار المستثمرين في البورصة» بحسب جبريل. «علامات استفهام علي الطرح والصفقة التي بلغت قيمتها 110 ملايين دولار وخرج بها المساهمون دون أي ضريبة تسدد للحكومة المصرية استغلالا للمادة 53 من قانوني الضرائب التي تتعلق بالإعفاء الضريبي حال التغيير في الشكل القانون للمؤسسات» هو ما قاله صلاح حيدر المحلل المالي، إذ ان القيمة الاسمية للسهم جنيهان، وتم البيع في الصفقة ب 9 جنيهات للطرح العام والخاص وهو ما يطرح علامات استفهام حول مدي استفادة شركة العربية للأسمنت من طرحها في السوق بهذا السعر ببيع حصة من الشركاء وعدم رفع رأسمالها وعدم وجود أي نية لرفع رأس المال في الوقت الحالي، خاصة ان المتعارف عليه ان اتجاه الشركة للطرح في البورصة هي استخدامها كأداة تمويلية، وان عدم استفادة الشركة من طرحها في البورصة يوجه الأنظار إلي المستفيد الوحيد للطرح الا وهو الشريك الذي باع حصة دون ضريبة. «الشركات الكبري يجب ان تتجه للقيد والطرح في البورصة بغرض ان تتوسع أو تضم مساهمين جددا بعيدا عن ان تكون البورصة أداة لتخارج حتي لا يكون أسلوبا للتهرب الضريبي مثلما حدث سابقا في شركات قيدت بالبورصة فقط لهذا الغرض». السوق في حاجة إلي طروحات جديدة وفقاً ل «عبدالحكيم» للمساهمة في تنشيط السوق وعودة المستثمرين الأفراد الذين خرج بعضهم خلال المرحلة الماضية نظراً لما تمثله هذه الطروحات من جاذبية وإغراء لصغار المستثمرين الذين يرون في البورصة نوعا من الاستثمار المربح كما ان شمول الطروحات الجديدة المتوقعة لقطاعات جديدة سيمثل عنصر جذب إضافيا في حالة ان يكون استثمارا وليس تخارجا. إذن لابد ان تكون الطروحات في البورصة جادة وتهدف للاستثمار حتي يستفيد الاقتصاد، بما يعكس الدور الإيجابي للبورصة باعتبارها أداة تمويلية منخفضة التكلفة، أما ان تتحول إلي آلية تخارج متعمدة فهو أمر يضر المستثمرين ومن قبله الاقتصاد، بعيدا عن نسب التغطية التي يتحكم فيها مديرو طرح بالعديد من الطرق والأساليب، فهل ستتخذ الطروحات المستقبلية نفس الاتجاه باستغلال البورصة وسيلة للتخارج، والاستفادة من الإعفاءات الضريبية، أم ستكون الطروحات مفيدة للسوق والاقتصاد من خلال استثمار حقيقي؟