كتبت في الأسبوع الماضي أن مرتب رئيس الجمهورية «الرسمي» هو ألفا جنيه في الشهر كان يقبضها المرحوم محمد أحمد سكرتير عبدالناصر ويصرف منها علي الأسرة والبيت ولم يكن هناك جنيه واحد في جيب عبدالناصر قط.. ولكن الرجل الرائع المستشار العادل عدلي منصور رد المرتب للحكومة مكتفيا براتبه كرجل قضاء. كان هذا هو المعروف علي وجه الدقة واليقين فقط.. ولا أحد يعرف شيئا عن مرتبات الآخرين.. وإن كان مرتب الملك فاروق «الرسمي» ألفا وخمسمائة جنيه قبل رفعه إلي ألفي جنيه فيما بعد إلا أن له مخصصات خيالية كمصاريف للقصر والأميرات شقيقاته وبناته وغير ذلك.. وهو ما رفضه محمد نجيب بمجرد إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية واكتفي بالمرتب فقط وهو ما سار عليه عبدالناصر من بعده وأخيرا عدلي منصور الذي استغني عن المرتب كله. ولكن التاريخ يذكر نماذج رائعة لرؤساء جمهوريات آخرين.. مثلا: فيدل كاسترو رئيس كوبا.. الدولة «النملة» التي تتحدي وتتصدي وترعب «الفيل الكبير» أمريكا.. هذاالرجل الخرافي كان مرتبه 25 دولارا في الشهر.. ثم اتضح أنه ينفق هذاالمبلغ في شراء سيجار هافانا «صنع كوبا» وهو أفخر أنواع السيجار وأغلاها.. ولما لاحظ كاسترو بعد فترة أن هناك علب سيجار في بعض أماكن قصره الذي يعيش فيه امتنع عن أخذ مرتبه!!! وأصبح رئيس الجمهورية «المناضل» بلا أي مرتب!!! سألوه فقال إنه لا داعي لأي نقود لأن مسكنه ومأكله وشربه وكل التزاماته يتم الصرف عليها رأسا من الحكومة.. حتي بدلته العسكرية إياها كان يتم صنعها في الصين في البداية ثم تم صنعها في كوبا.. فلماذا آخذ مالا في جيبي لا أستطيع أن أنفقه؟! وهذا مثال رائع آخر.. يفترض أن يكون رئيسا لدولة إسلامية.. لأن ديننا الحنيف يحض علي التواضع والبعد عن المظاهر والزهد في الحياة الدنيا.. ولنا في السلف الصالح القدوة أمثال عمر بن الخطاب وحفيده الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز وغيرهما من الصحابة.. هذا الرجل يطبق عليه قول الشيخ محمد عبده.. رجل مسلم بلا إسلام. هو رئيس منذ عام 2009 لدولة صغيرة تسمي أوروجواي تقع في وسط أمريكا الجنوبية عمره 77 عاما، اسمه «خوسيه موبكا» راتبه 12 ألفا و500 دولار شهريا يتبرع بتسعة أعشار مرتبه لجمعيات اليتامي وكبار السن.. يقبض 1250 دولارا شهريا وتقوم حكومته بتوزيع باقي مرتبه علي جمعيات معينة تقوم فعلا بواجب رعاية الصغار اليتامي والكبار العاجزين. سألوه فقال: إن ما يقبضه يكفيه وزيادة.. وهو لا يريد أن يغير من حياته التي اعتاد عليها فمازال يركب السيارة ڤولكس بدون تكييف!! وليس لها أي كماليات!! ويعيش في منزله الذي يشبه الكوخ.. منزل ريفي وسط حديقته الواسعة يحرسه ضابطان وجنديان. الرئيس «موبكا» له فلسفة فريدة في الحياة.. الناس تضيع عمرها في العمل علي زيادة ثرواتها وشراء قصور ومقتنيات.. ثم في النهاية يتضح أنه كان يجري وراء سراب لا ينتهي.. ولم يتبق له من العمر الوقت الكافي الذي يحتاج إليه ليعيش كإنسان!! أما الأخ «بوتين».. ما إن تولي رئاسة روسيا منذ فترة ليست بالقصيرة حتي طلب «سرا» حتي لا يحرج أحدا.. طلب أن يكون راتبه أقل من راتب أي عضو في الكرملين أو كبار المسئولين.. دون أن يعلم أحد ولكن انكشف هذا الأمر بعد أعوام من خلال إقرارات الذمة التي تقدم لمصلحة الضراب بالصدفة المحضة!! راتب بوتين 5٫8 مليون روبل أي ما يعادل 16 ألف دولار شهريا.. في حين أن دخل أي عضو في الكرملين أو في رئاسة الدولة يصل الي 20 ألف دولار.. حتي زوجته راتبها 121 ألف روبل أي ما يعادل 336 دولارا شهريا.. معها في نفس المصلحة من يقبض أضعاف هذا المبلغ. وبعد. ماذا أقول.. هذه هي البلاد التي لا تعاني أزمة مالية ليست لها قروض زادت علي تريليون ونصف التريليون جنيه.. وعجز ميزانيتها 300 مليار جنيه!! ولا تبحث عن حد أدني ولا أقصي للأجور.