ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية الخصبة، أخطر ما تعانيه مصر منذ أكثر من ثلاث سنوات، وقد زادت وتيرتها بشكل غير مسبوق، في جميع أنحاء الجمهورية، وبشكل خاص في محافظات الدلتا، مما يُنذر بتهديد حقيقي وخطر مؤكد على الأمن الغذائي والبيئي، والمجتمع ككل، سواء للأجيال الحالية أو المقبلة. التقارير كافة تشير إلى أننا مقبلون على كارثة مخيفة، تُشكِّل خطرًا على وجودنا.. فإلى جانب الوتيرة المتسارعة التي يتم بها إنشاء سد النهضة الأثيوبي، وتأثيره على شريان الحياة ونقص حصتنا من مياه النيل، فإن مصر تعاني من فقدان أراضٍ زراعية بمعدل خمسة أفدنة؛ كل ساعة! ما يؤسف له حقًا، أنه على رغم محدودية مساحة الرقعة الزراعية، التي تبلغ 8.5 مليون فدان، أي حوالي 3.5% من إجمالي المساحة الكلية لمصر، إلا أن هذه النسبة تقلصت بشكل ملحوظ خلال الأعوام الماضية، بسبب التجريف والتبوير والزحف العمراني، حتى أصبحت الحقول الخصبة عبارة عن "كردون" عبثي يُجسِّد خارطة عشوائية من الغابات الإسمنتية. بعض الإحصائيات تشير إلى أن مصر تفقد سنويًا حوالي 60 ألف فدان من الأراضي الزراعية، كما أنها فقدت حوالي 36% من أراضيها الزراعية خلال العشرين السنة الماضية بسبب الزحف العمراني العشوائي، وإذا استمر هذا المعدل لعقود قليلة مقبلة، فإننا قد نستيقظ يومًا ما على اختفاء اللون الأخضر تمامًا! إن ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية تتسبب في خسائر اقتصادية ضخمة تصل إلى أكثر من 15 مليار جنيه سنوياً، وعلى رغم أننا نمتلك من القوانين ما يمنع التعدي على سنتيمتر واحد منها، إلا أنها غير مُفَعَّلة بالشكل المطلوب، ولذلك يجب إعادة النظر في قانون الزراعة رقم 116 لسنة 1983 الذي مرَّ عليه أكثر من 30 عامًا، بما يتلاءم مع التهديدات الراهنة. الخطر الحقيقي يكمن في أن التعديات لا تتوقف، ومعدل البناء على الأرض الزراعية في زيادة مستمرة، نتيجة غياب الرقابة والانفلات الأمني، وهذا بالطبع سيؤدي إلى اتساع متزايد لحجم الفجوة الغذائية، وبالتالي ارتفاع فاتورة استيراد السلع الغذائية، وهو ما يهدد مصر مستقبلًا ويجعلها تقترب من المجاعة الغذائية. التعدي على الأراضي الزراعية أوجد نوعًا آخر من الفساد، يرتبط بالتعدي على الكهرباء، والتي يتم توصيلها للمباني والمنازل المخالفة عن طريق ما يُسمى ب"الممارسة"، مقابل مبلغ محدد القيمة، وفقًا لتقدير الموظف المختص، ولذلك لا غرابة في أن يقوم "المخالف" بدفع فاتورة استهلاك لمنزل من ثلاثة طوابق وسط الحقول أو مقهى على الطريق الزراعي، لا تتجاوز مائة جنيه شهريًا! أخيرًا.. إن حالات التعدي على الأرض الزراعية؛ وفقًا لتصريحات المسؤولين؛ تقترب من مليون حالة تعدٍ، وهذا ناقوس خطر كافٍ، لكي يدرك الجميع المخاطر التي تتهددنا، في ظل استيراد أكثر من 50% من الغذاء، وأن استمرار التعديات يهدد باتساع فجوة الاستيراد من الخارج، مما يعطي مؤشرًا شديد الخطورة على مستقبل الأجيال المقبلة في ظل ضعف مواردنا المائية وتقلص مساحة الأرض الزراعية.