تحتفل مصر في الخامس والعشرين من أبريل من كل عام بعيد من الأعياد القومية المهمة والتي توحد المصريين جميعا، وهو عيد تحرير سيناء والتي أصبحت رمزا لانتصار الجيش والشعب المصري، وفي هذه الذكرى العطرة التي سجلت في تاريخ مصر الحديث نستعيد الأمجاد والانتصارات ونستلهم منها المستقبل ،فمصر التي استطاعت تحقيق هذا الإنجاز الكبير عسكريا وسياسيا قادرة أيضا على تحقيق إنجازات أخرى في المستقبل على مستوى التحول الديمقراطي والانتصار على الإرهاب وبناء المؤسسات واجتياز الأزمة الاقتصادية، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية:- أولا: أن سيناء لها أهمية محورية مهمة بالنسبة لمصر من مختلف الجوانب الاقتصادية والجغرافية والاستراتيجية ومن زاوية الأمن القومي، فهي تعتبر بوابة مصر من الشمال الشرقي وهي الجزء الآسيوي من مصر ولذلك تعتبر بمثابة بوابة مصر تجاه القارة الآسيوية، ويخبرنا التاريخ أن الأغلبية العظمى من الغزوات التي تعرضت لها مصر كانت تأتي من الشمال الشرقي مما جعل لها أهمية خاصة من الناحية السياسية والاستراتيجية والأمنية، وتعرف سيناء درجه من التناقض بين المساحة الإقليمية أو الجغرافية الكبيرة نسبيا والتي تقارب 6%من إجمالي مساحة الإقليم المصري، وبين الاعتبارات الديمجرافية أو السكانية، حيث لا يتواجد في هذه المساحة سوى أعداد بسيطة من السكان تقل عن 1% من سكان مصر،كما تعرف درجة أخرى من التناقض بين الثروات الكامنة والمحتملة وبين استغلالها الفعلي، حيث تتواجد في سيناء مصادر للثروة المعدنية والثروة السمكية وإمكانات كبيرة للتوسع السياحي فضلا عن إمكانية استزراع مساحات كبيرة من الأرض إذا توافرت لها القدرات البشرية اللازمة ومصادر المياه، وقد عانت سيناء عقوداً طويلة من الزمن من عدم الاهتمام الكافي بها، وهو من الأمور التي تتطلب التعديل والتغيير لدمجها وحل مشاكلها كما يمكن أن تسهم في حل مشاكل الوطن ككل. ثانيا: إن سيناء يمكن أن تكون مشروعا قوميا لمصر، بمعنى أن تنمية سيناء يمكن أن تسهم في علاج مشكلة البطالة وخصوصا لدى الشباب ويمكن أن يكون ذلك أحد المحاور المهمة التي يتبناها الرئيس القادم، ويقصد بذلك أن تنمية سيناء لمصلحة أهلها ولمصلحة الوطن ككل، وذلك من خلال اجتذاب الشباب الباحث عن فرصة للعمل في مناطق الوطن التي تعاني من الاكتظاظ السكاني إلى منطقة بكر وبها ثروات واعدة، حيث يمكن إعطاء الشباب مساحات من أرض سيناء للانتفاع بها وزراعتها ووفقا لمقتضيات وضوابط الأمن القومي المصري، وأن يتاح لهؤلاء الشباب إمكانية إقامة مشروعاتهم الخاصة، أو استصلاح الأراضي، أو زراعتها ويمكن أن يكون ذلك مفيدا من الناحية الاستراتيجية إذا ما تم التوسع في زراعات القمح على سبيل المثال وبدرجة تكفي احتياجات مصر من هذا المحصول الاستراتيجي مما يمكن من زيادة الاستقلالية في السياسة المصرية وعدم الخضوع لضغوط خارجية في هذا الشأن،كذلك من المشروعات المفيدة إقامة مصانع صغيرة تعتمد على موارد البيئة المحلية من أسماك وثروات حيوانية وبحرية، بالإضافة إلى التوسع في المشروعات السياحية ويتم بذلك الجمع بين الجوانب الإنتاجية والخدمية في سيناء، ويسهم ذلك في وضع حد لقلة العنصر البشري في سيناء وبحيث تصبح سيناء منطقة جذب سكاني لأهل الوادي والدلتا مما يحقق فوائد اقتصادية وأمنية واستراتيجية. ثالثا: إن استعادة سيناء بعد احتلالها في عام 1967 لم يكن أمرا سهلا بل تطلب الأمر خوض معركتين عسكرية وسياسية ،فالمعركة العسكرية هي حرب أكتوبر المجيدة والتي روى الشهداء فيها بدمائهم أرض سيناء، أما المعركة السياسية والدبلوماسية فكانت لاستعادة آخر شبر من سيناء وكانت معركة بالمعنى الكامل للكلمة، حيث إن المفاوضات السياسية والدبلوماسية كانت شديدة الصعوبة وتم اللجوء إلى التحكيم الدولي وانتهى الأمر باستعادة الوطن هذا الجزء الغالي من أرضه، ولذلك ونتيجة لهذه التضحيات لابد أن نكون على قدر المسئولية جميعا تجاه سيناء سواء الشعب أو الحكومة أو النخبة السياسية، وفي اعتقادي أن هذه المناطق الحدودية من أرض الوطن تحتاج إلى اهتمام خاص من جانب الدولة سواء في سيناء أو المنطقة الغربية أو حلايب وشلاتين، حيث تتشابه جميعا في أهميتها الاستراتيجية والأمنية وفي إمكانية الاستثمار الاقتصادي والإسهام في علاج المشاكل الاقتصادية للوطن ككل، وقد يكون من المفيد من وجهة نظري التفكير في وضع برنامج متكامل لتنمية هذه المناطق سواء من جانب الحكومة أو القطاع الخاص أو الاستثمارات العربية وفقا لضوابط تقتضيها ظروف تلك المناطق الاستراتيجية والأمنية، كذلك قد يكون من المفيد التفكير في أن تكون هناك وزارة خاصة لتلك المناطق الحدودية تقوم بالتنسيق بين أعمال الوزارات المختلفة لتنمية تلك المناطق وفقا لخطة متكاملة وشاملة مما يعود بالمنفعة على هذه المناطق وعلى الوطن ككل. تحية إلى سيناء في عيد انتصارها وتحية إلى الوطن في ذكرى يوم من أيام أمجاده وعزته.