خطورة مذبحة أسوان الأخيرة أنها تعيد للأذهان سيناريو ما جرى في كوسوڤو ولبنان ويجري حاليا في العراق والصومال، فلسنا أمام حادثة ثأر تقليدية وانما ميليشيات قبلية تنذر بحرب أهلية، والتشخيص الأمني والاجتماعي والسياسي لهذه الواقعة يجب ان يتجاوز مسألة الثأر القبلي الى الثأر الاجتماعي بمفهومه الأوسع وعواقبه الأخطر، وهذا النوع من الثأر يتقلب ما بين قبلي وديني وطائفي وتغذيه حالة الاحتقان التي تفرزها الاضطرابات الامنية السياسية، كما أنها غير مرتبطة بثقافة مجتمع نام او متقدم ولعل صورة الكتائب اللبنانية لم تخفت ملامحها بعد. كما أن كوسوڤو كانت حقل تجريب لعمليات الثأر الاجتماعي في قلب أوروبا حيث أدى تمزق الشرعية الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الى إنهاء حالة الهدنة القائمة بين المسلمين الألبان والمسيحيين الصرب ومع حالة الاستنفار حضرت الأحقاد الدفينة المترسبة في اللاشعور الصربي على المسلمين مستذكرين معاركهم في الزمان الغابر مع العثمانيين المحتلين قلب أوروبا. والغريب في الأمر أن أحداث الثأر الاجتماعي قد تتخذ مبررا للتدخل الدولي فلا ننسى الرد العنيف لحلف الناتو وضربهم الجيش الصربي بوابل صواريخهم الحديثة، وحلف الناتو لم ينهض دفاعا عن مسلمي كوسوڤو بقدر ما يخشى امتداد الأرثوذكسية تيارا متشددا يؤسس كتلة تمزق وحدة أوروبا. وبالمقابل برزت الأزمة الشيشانية من رحم تدهور الدولة الوطنية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فعادت احلام مسلمي روسيا في الانفصال قائمة وازدادت شكوك المسيح فتولدت عن هذه الشكوك والاحلام الأزمة الشيشانية التي جاءت كتنفيس للصراع الإسلامي المسيحي. إن أطروحة الثأر الاجتماعي تستطيع أن تفسر الكثير من الصراعات والحروب في العالم وكذلك في الشرق الأوسط الذي يعتبر اليوم ساحة مهمة من ساحات الصراع الاجتماعي خاصة بعد نمو تنظيم القاعدة وأعاد المخاوف من حرب طائفية بين (هلال شيعي) و(مربع آخر سني) ممتد من إيران الى بلاد الشام مرورا بالعراق. لقد قيل في التعصب إنه وباء نفسي اجتماعي لا يختلف عن الأمراض المعدية التي تصيب المجتمعات، ويميل علماء الطب النفسي الى دراسة التعصب ضمن الاضطرابات النفسية باعتباره مرضا خطيرا كالبارانويا، طالما ان ضحاياه بالملايين، عايناهم في الحروب العنصرية في الماضي وفي الحربين العالميتين ولا نزال نعاينهم في حروب الشرق أوسطية بين مختلف الأجناس وبدعاوي عنصرية محضة سامية وفارسية وعربية وكردية ومارونية. ويأخذ المتعصب أشكالا عدة: فإما أن يكون باللسان، مثل النكت البذيئة المحقّرة أو التحرش والمعاكسات كما حدث في مذبحة أسوان، وقد تصل الى درجة الاعتداء أو الإبادة الجماعية. والاغتيالات السياسية كما يحدث في فلسطينوالعراق والصومال. وعلاج التعصب والثأر الاجتماعي يحتاج الى استراتيجية شاملة: تعليمية وإعلامية وأمنية، بالإضافة الى الوعظ الديني الإيجابي، ويجب أن تحظى هذه الاستراتيجية بأولوية على برامج المرشحين للرئاسة والبرلمان بدلا من حالة النفير والسعير والتشنج التي تسيطر على تعاطينا الاعلامي للأحداث.