ألوم الاعلاميين الذين لا يساهمون في إيقاظ الضمير الشعبي.. وألوم أكثر من يملك إمكانيات تثقيف نفسه، ثم يقصر في ذلك.. ومن هنا أتعجب ممن لا يعرف تاريخ بلاده.. من خلال معرفته بتاريخ قياداته.. ومرة سألت مواطناً مصرياً: من هو عمر مكرم.. فكانت إجابته: له جامع بجوار مجمع التحرير.. تماماً كما سألت مصرياً آخر: ومن هو عباس العقاد فأجابني: له شارع بمدينة نصر!! وكان ذلك من أهم أسباب إصداري واحداً من أهم كتبي هو: شوارع لها تاريخ «عام 1996» إيه الحكاية؟ بسبب موقع جامع عمر مكرم بوسط المحروسة أصبح مركزا لتلقي العزاءات وخروج الجنازات.. ولكن هل يعرف أحد أن هذا الموقع كان زمان موقعاً لمسجد آخر كان يقال له «جامع الشيخ العبيط» وكان جزءاً من سراي الاسماعيلية الصغري في أرض العبيط ودخلت أرض هذا المسجد ضمن السور الغربي لسراي الاسماعيلية ودفن فيه الشيخ العبيط وشيخ آخر اسمه الشيخ زيدان.. وكانت هناك لافتة علي سور مقر وزارة الخارجية تحمل اسم: شارع الشيخ العبيط، وكانت كل هذه المنطقة هي ما أطلق عليها اسم «جزيرة العبيط» وهي الجزء الجنوبي من جزيرة الزمالك أي موقع دار الأوبرا الحالية.. وذلك قبل أن يتصل هذا الجزء بجزيرة الزمالك. وعندما تم هدم قصر الوالدة باشا، في أواخر الأربعينيات، تقرر بناء مسجد جديد أطلق عليه اسم عمر مكرم، بطل الثورة الشعبية الأولي ضد الاحتلال الفرنسي، وهو الذى قدم محمد علي قائد فرقة الأرناؤوط التركية لكي يصبح حاكماً لمصر، بإرادة الشعب.. وليس بإرادة السلطان التركي.. ومازالت كتب التاريخ تسجل كيف اختار عمر مكرم لشخص محمد على رغبة الأمة وذلك يوم 13 مايو 1805 ليصبح حاكما لمصر وفق شروط الأمة.. وتقدم عمر مكرم مع الشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر وألبسا محمد علي خلعة الولاية، أي الحكم. وبلغ من قوة وشعبية عمر مكرم أن محمد علي عندما قرر الخروج بجيشه لمحاربة محمد بك الألفي في الصعيد، في إبريل 1806، أن عرض محمد علي علي السيد عمر مكرم أن يعينه «قائمقاماً» أي ينوب عنه أي يحكم مصر نيابة عنه مدة غيبته فامتنع عمر مكرم ولم يقبل.. ولكن محمد علي أخذ يخشي بعد ذلك من تعاظم سلطان وهيبة السيد عمر مكرم وكان نقيباً للأشراف.. بل أحس محمد علي ان عمر مكرم يزداد نفوذه الشعبي عنه وكان الشعب يلجأ اليه ليرفع نيابة عنه مطالب الأمة إلي محمد علي باشا. هنا قرر محمد علي نفي السيد عمر مكرم إلي دمياط في أغسطس 1809 فبقي هناك مدة تزيد علي 4 سنوات.. «بحجة أن محمد علي كان يخشي أن يحدث بقاء عمر مكرم بالقاهرة فتنة بين الجمهور.. ليخلع الباشا»!! ثم نفاه محمد علي مرة ثانية إلي طنطا.. إلي أن مات عمر مكرم عام 1822. وبهذا تعرض عمر مكرم للنفي أربع مرات: الأولي والثانية في عهد الحملة الفرنسية لقيادته للمقاومة الشعبية.. والمرة الثالثة والرابعة في عهد محمد علي خشية من شعبيته.. ويرجع لهذا الرجل الفضل الأول في مقاومة الاحتلال الفرنسي، ثم مقاومة تسلط محمد علي باشا نفسه.. وكان له أيضاً دور أساسي في معركة رشيد مع أهلها لمقاومة حملة فريزر الانجليزية. ودخل عمر مكرم دائرة النسيان، إلي أن تذكرته ثورة 23 يوليو 1952 وقررت إطلاق اسمه علي الجامع الجديد مكان مسجد الشيخ العبيط هنا في ميدان الاسماعيلية «التحرير الآن» تخليداً لدوره البطولى.. ثم أقيم تمثال له يطل علي مسجده في نفس الميدان. ويدور الزمن دورته.. ويستعيد عمر مكرم اسمه، وللأسف ليس بسبب بطولته وانكاره لنفسه أيام محمد علي.. ولكن لأن مسجده بسبب موقعه هذا أصبح مكاناً لخروج جنازات أهم الشخصيات المصرية.. ومكاناً لتلقي عزاءات المعزين.. تري هل يتذكر الناس بطولات هذا الزعيم الشعبي الأول لأول ثورة شعبية ضد الاحتلال.. وضد الاستبداد.. وكم أتمني أن يقرأ كل مصري وهو ذاهب لتقديم العزاء الآن يقرأ الفاتحة علي روح الزعيم الأول عمر مكرم.. كما يقرأ الفاتحة علي روح الشخصية المصرية التي يذهب لتقديم العزاء لأهل الفقيد الكريم.. واقرأوا الفاتحة للبطل الحقيقي لأول ثورة شعبية.. هو الزعيم عمر مكرم.