مازالت طموحات بوتين لتوحيد الجزء الأكبر من الاتحاد السوفيتي السابق، فى كيان اقتصادي تحت مسمى «الاتحاد الأوروآسيوي» قائمة وتتحقق يوماً بعد يوم.. فسياسة فلاديمير بوتين تسعى إلى إقامة اتحاد «أوراسي» يجمع روسيا وبيلاروسيا كدول سلافية مع جمهوريات آسيا الوسطى، وما حدث مؤخراً فى القرم لا ينفصل عن السياق الأوراسي لسياسته، وهو يدرك أن روسيا جيوسياسياً وحضارياً وثقافياً كيان أوراسي وهذا ما أشارت إليه صنداي تايمز عن «سعي بوتين لبناء اتحاد أورو آسيوي يضم روسياوأوكرانيا وكازاخستان»، وهي فكرة تأسيس كتلة منافسة للاتحاد الأوروبي، يتمتع مواطنوه بحرية التنقل والعمل والإقامة. وهذا بدا واضحاً منذ انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الجمركي الذي يضم كازاخستان وجورجياوبيلاروسيا وروسيا. لذلك فإن ما فعله بوتين في خطوة ضم شبه جزيرة القرم يسير فى هذا الاتجاه، خاصة أن شبه الجزيرة كان جزءاً من روسيا السوفيتية حتى 1954، ولكن شاء حظها العثر أن يمنحها الزعيم السوفيتي خورتشوف لأوكرانيا لكونه كان مخموراً كما تقول بعض الروايات، أو لأنه كان أوكرانى المولد، وبعد فشل الجهود الدبلوماسية في إيجاد حل يعيد القرم إلى أوكرانيا، والاكتساح الاستفتائى على ضمها إلى روسيا ذهب الكلام عن شرعية جديدة في كييف، وظهور قيادة أوكرانية تستطيع الموازنة بين الضروريات الاستراتيجية الروسية والتقارب مع الاتحاد الأوروبي أدراج الرياح واتجهت الرياح بكل قوتها لتحرك أحلام بوتين نحو اتحاد أورو آسيوي. هذا الحلم أصبح أكثر احتمالاً بعد استفتاء القرم، ولا يجب استبعاده في المدى المتوسط، ومع أن أوروبا والكتلة الغربية ستصب خلال الشهور القليلة المقبلة من المساعدات لأوكرانيا ما يعمل على عودة الاستقرار، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية سريعة، وتنصح القادة الأوكرانيين الجدد بالتعايش مع فقدان القرم، حتى وإن لم يعترفوا بشرعية الاستفتاء.. وأعتقد أن روسيا وجوارها الإقليمي والأوروبي لم يجانبها الصواب عندما قدر منذ نهاية التسعينيات أن هدفها في العالم سيكون تأمين جوارها السوفيتي السابق، بتصعيد الروح القومية الروسية الذي يرتكز عليه سياسة مقاومة هذا الشره الغربى للاستحواذ على العالم وأن تصبح أمريكا القوى الوحيدة دولياً، لذلك فإن الخطوات التي اتخذتها روسيا في شمالي جورجيا والقرم ليست بداية محدودة لتحولات كبرى في الجوار، لم تحدث بعد! وبالطبع ستلعب أمريكا بورقة الأزمة الأوكرانية والأهمية الجيوستراتيجية لتركيا، بتأجيج ومناصرة اهتمام تركيا في الكلام على حقوق ربع المليون تتاري من سكان القرم، خاصة أن لتركيا صلة مباشرة بكل مواقع التوتر في الجوار الروسي القريب، سواء في أوكرانيا أو شمالي القوقاز، إلى جانب سوريا، لقد فاز الرئيس الروسي بالقاضية وتوجت أحلامه مع إعلان انضمام جزيرة القرم رسمياً إلى البلاد، وانتزاعها من قبضة أوكرانيا، ولكن ثمة قلق نتيجة لوجود الآلاف من الجنود الأوكرانيين متواجدين بقواعدهم داخل القرم، حيث عرضت الحكومة الذاتية بالقرم على هؤلاء الجنود البقاء في حال أعلنوا ولاءهم لروسيا، أو الرحيل، إلى جانب أن 85% من مياه القرم تأتي من أوكرانيا عبر نهر دينيبر، في الوقت الذي تضخ فيه كييف ثلثي حاجة القرم من الغاز، وربما يمكن تدارج هذا من قبل روسيا عبر مد أنابيب للمياه والغاز مباشرة إلى القرم. ومن المحتمل استبدال العملة الأوكرانية «هريفنيا» بالعملة الروسية «روبل» بنسبة بسيطة في الوقت الذي يفضل فيه التجار الحصول على عملة الدولار واليورو، في الوقت الذي لا تتطابق فيه معدلات مستوى المعيشة بالقرم مع تلك التي في روسيا فبحسب الخبراء فإن على روسيا ضخ ما بين مليار إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً لتساوي القرم مع مستويات المعيشة في روسيا.. وبالطبع أن إعلان قادة القرم أنه سيتم ربط الساعة والتوقيت مع العاصمة الروسية، موسكو في ال30 من الشهر الجاري، الأمر الذي سيعني ساعات ليل أطول، حيث إنه بدل أن تشرق الشمس في الساعة السابعة و22 دقيقة بأول أيام رأس السنة ستشرق الساعة التاسعة و22 دقيقة. وإذا كانت الولاياتالمتحدة فرضت عقوبات مالية على سبعة مسئولين كبار في الحكومة الروسية وعدد من أعضاء البرلمان رداً على الاستفتاء حول إلحاق القرم بروسيا. ومن بين المسئولين المعرضين لتجميد أرصدة أو مصالح لهم في الولاياتالمتحدة ديمتري روجوزين نائب رئيس الوزراء، والعديد من أعضاء مجلس النواب «الدوما» ومستشارين للرئيس فلاديمير بوتين.. وكذلك فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات على الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، إضافة إلى مستشار سابق كبير ومسئولين اثنين «منشقين» في منطقة القرم، فإن هذه الاجراءات الجديدة تأتي في سلسلة من الخطوات العقابية التي قررت واشنطن اتخاذها على خلفية الاستفتاء حول إلحاق القرم بروسيا. وبدوره تبنى الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد 21 شخصية تعتبر مسئولة عن الاستفتاء حول إلحاق القرم بروسيا، كما أعلن وزير الخارجية الليتواني ليناس لينكيفيسيوس على حسابه على «تويتر» إن وزراء الخارجية الأوروبيين «قرروا فرض عقوبات - قيود على السفر وتجميد أرصدة 21 مسئولاً أوكرانياًوروسياً»، ولكن كل تلك العقوبات لا تخرج عن كونها زوبعة فى فنجان، وأن الدب الروسى التهم سمكة القرم وهيأ الفرصة لإقامة روسيا الدولة صاحبة السيادة الكبرى.