عندما قرر زعماء ست دول بمنطقة الجزيرة العربية المطلة على "الخليج"، تأسيس كيان سياسي إقليمي للتعاون في العام 1981، نظرًا لتشابه الطبيعة الجغرافية والأنظمة الحاكمة والظروف الاقتصادية والترابط الاجتماعي، لم يكن يخطر ببالهم أن يأتي يوم يتعرض فيه هذا الكيان الوحدوي إلى هزة كبيرة تضرب أركانه. لقد شهدت العقود الماضية تقاربًا واضحًا وتجانسًا بين دول مجلس التعاون الخليجي، ومعها تحققت خطوات كبيرة وقفزات هائلة في إنجاز وحدة متكاملة، على كافة الأصعدة، سواء في التنقل وحرية العمل والمعاملة الموحدة لمواطني تلك الدول، وبدا الأمر مقدمة لانصهار كامل ودولة كبيرة موحدة، يمكن أن تتحقق في المستقبل المنظور. مؤخرًا، شهدت العلاقات الخليجية بعض التوترات، في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والملف السوري وثورات الربيع العربي والعلاقة مع إيران، وصار التباين واضحًا في مواقف دول الخليج، حول آليات التعامل، وبعد أن كانت الخلافات "مكتومة" داخل البيت الخليجي، أصبحت معلنة، ما يسمح بتدخلات خارجية!. وخلال السنوات العشر الماضية، لم تكن السياسة القطرية، تلقى ارتياحًا خليجيًا عامًا، وبدت وكأنها تغرد خارج السرب، في تلك المنظومة المتشابهة إلى حد التطابق، ولكن بعض المواقف الأخيرة استدعت ثلاث دول هي السعودية والإمارات والبحرين باتخاذ موقف مفاجىء وغير متوقع، بسحب سفرائها من دولة قطر، قالت "إنها اضطرت للبدء في اتخاذ ما تراه مناسبًا لحماية أمنها واستقرارها"!. نعتقد أنه لا يحق لنا القول بأن سياسات الدول، عبارة عن اختيارات خاطئة أو صائبة، لأنها تقرر ما تراه مناسبًا، بناء على ظروفها ومصالحها وآمالها، ولكن قطر خلال 18 عامًا، أثبتت أن العمل الفردي مغامرة بالغة الخطورة على الدول في عالم متغير، فلم تتوانَ خلال تلك الفترة من ركوب المخاطر والصراع في بحر السياسة الهائج. ومن دون شك فإن قطر، تعد قوة فاعلة، سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، ولاعبًا أساسيًا في الكثير من القضايا العربية والإقليمية الأخرى، ولكن مواقفها الأخيرة جلبت لها الكثير من المشاكل الحقيقية، التي هي في غنى عنها، لا سيما أنها بمواقفها تلك، استعدت دولًا مؤثرة، كمصر والسعودية والإمارات!. إن التجربة الوحدوية لدول الخليج، هي واحدة من أعظم التجارب في العصر الحديث، والحفاظ عليها، ضرورة تمليها الظروف الإقليمية والدولية المعقدة، ولذلك نعتقد أنه بات من الضروري أن تحرص دولة قطر على تعزيز هذه المنظومة، لأن قوة دول الخليج ووحدتها، تشكِّل سندًا ودعمًا حقيقيًا للعرب أجمعين. السياسة القطرية، تحتاج إلى إعادة نظر في كثير من المواقف، حتى تستطيع أن تحافظ على مكانتها التي حققتها خلال العقدين الأخيرين، وأن تسد كل الثغرات التي يمكن أن تستدعي تدخلات خارجية، وتستدرج المنطقة إلى خلافات هي في غنى عنها، وأن لا تُغامر بعلاقاتها الخليجية والعربية، حتى لا تصل لمرحلة "الاحتضار" السياسي.