رائحة الجثث المتعفنة تنتشر في كل مكان.. الأعداد التي تُقتل من المستحيل دفنها على الفور.. قد تُترك أيامًا حتى يتم دفنها.. طرق بشعة في القتل والتنكيل والتعذيب.. أطفال، رجال، نساء، شيوخ مسنون، يُذبحون أمام ذويهم بدم بارد، بل إن منهم مَن يتم حرقه حيًا!. هذا المشهد العبثي، ليس من نسج الخيال، بل هو حقيقة مؤلمة، تحدث فصولها في "أفريقيا الوسطى"، حيث تتواصل عمليات الإبادة الجماعية، بحق المسلمين هناك، بشكل ممنهج، وبصورة يصعب وصفها، أو تحمُّل ما خلَّفته من مأساة كارثية مروِّعة!. كنا نعتقد أن القرن الحادي والعشرين، يحمل معه بشائر الحرية الحقيقية، وقيم المحبة والتسامح، ولكن ما إن اقتربنا من منتصف العقد الثاني، حتى أطلَّت علينا بانوراما التطهير العرقي، بشكل همجي وبربري، في جمهورية أفريقيا الوسطى، التي تشهد أسوأ عملية تطهير عرقي ضد المسلمين. المشهد الوحشي المسكوت عنه، يروي لنا مشاهد مؤسفة يندى لها جبين الإنسانية، التي فضلَّت الصمت المريب، تجاه بشر ينتمون إلى بني الإنسان، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون.. ضحايا مسالمون أبرياء عزل، يفرون من وطنهم باتجاه بلدان لا يعرفونها، هربًا من القتل والكراهية والتنكيل بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني الحديث!. مسلمو أفريقيا الوسطى، بكل أسف، يعانون من الاضطهاد والعنصرية، فهم ليسوا أول مَن يُمارَس ضدهم أبشع أنواع العقاب الجماعي على أساس ديني أو طائفي، كما أنهم ليسوا آخر مَن يتعرضون قسرًا لعمليات النزوح الجماعية، حيث سبقهم كثيرون من المسلمين في دول عديدة بأفريقيا وآسيا، وحتى أوروبا!. "الفتور" أصبح سيد الموقف، سواء من المجتمع الدولي، أو المنظمات التي تدَّعي اهتمامها بالدفاع عن حقوق الإنسان، أو أوروبا التي تتشدق ليلًا ونهارًا بالحرية.. الجميع لم يحرك ساكنًا تجاه ما يحدث، وبدا الأمر وكأن مَن يُحرقون أحياء، هم "مخلوقات" من كوكب آخر!. ما يحدث في أفريقيا الوسطى كارثة إنسانية بكل المقاييس، لا يمكن وصفها، أو إيقاف مسلسل العنف الدائر هناك، رغم انتشار آلاف الجنود من فرنسا ودول أخرى، وبات الأمر يُصَوَّر على أنه مشكلة أو أزمة يريد الجميع التخلص منها، يمررها كل طرف إلى الآخر لإخلاء المسؤولية عن نفسه، وبالطبع نجد التردد هو سيد الموقف الأمريكي!. التطهير العرقي، الحاصل هناك، لن ينتج عنه سوى تفكيك البلاد وانتشار مشاعر الكراهية والانتقام بين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي انهيار أبسط حقوق الإنسان، وتأجيج النعرات الطائفية ومشاعر الكراهية، وقتل قيم المواطنة والمحبة التى تدعو إليها كافة الأديان السماوية. يجب أن يتحمل العالم مسؤولياته الأخلاقية، إزاء ما يحدث، ولا خيار أمامه إلا بالتدخل الفوري والعاجل، لأن ما يحدث هناك يُعبر عن روح ضيقة غير متسامحة، واستفزازًا لأكثر من مليار ونصف مليار مسلم فى العالم، وهمجية تعبر عن عنصرية وتطرف دينى وتحريض غير مبرر أو مقبول على الإطلاق، واستمرار الوضع على هذا النحو، قد يؤجج مشاعر العنف ويُقَوِّي شوكة الإرهاب!.