صناعة الدخان من أهم وأقدم الصناعات فى مصر. ولدت منذ قرنين وتطورت وتوسعت ومرت بمراحل مختلفة خلال العقود المنصرمة حتى سيطرت الدولة على القطاع الأكبر منها وهو قطاع السجائر وصارت موردا رئيسيا من موارد الدولة. ولاشك أن أبرز دلائل أهمية تلك الصناعة للاقتصاد المصرى أن حصيلة الجمارك والضرائب المُحصلة على استيراد الدخان وشراء الخامات يبلغ 20 ملياراً و620 مليون جنيه طبقا لبيانات العام المالى الماضى. فضلا عن تحقيق الشركة الشرقية للدخان وهى المنتج الوحيد للسجائر فى مصر صافى ربح خلال العام الماضى يقترب من مليار جنيه. والغريب رغم تلك الأهمية أن هناك موارد عديدة تضيع على الدولة بسبب التفاوت الكبير بين ضرائب ورسوم السجائر الأجنبية المُصنعة على خطوط إنتاج الشركة الشرقية وبين رسوم السجائر الوطنية. وهذا ما تفصله دراسة وافية أعدها الباحث والخبير الصناعى صبرى الباجا وتم تقديمها لعدة جهات فى الدولة لتفعيل توصياتها. تشير الدراسة إلى أن الشركة الشرقية تقوم إلى جانب إنتاج أصنافها الوطنية بتصنيع بعض أصناف شركات السجائر الأجنبية علي خطوط إنتاجها بنظام «مقابل التصنيع» والذى كان خمسة دولارات لكل ألف سيجارة، وقد ظل هذا الرقم ثابتا منذ بدء التصنيع في عام 1985 رغم زيادة تكاليف التصنيع علي الشركة الوطنية، ورفع أسعار بيع السجائر الأجنبية المصنعة علي خطوط إنتاج الشركة الوطنية عدة أضعاف، وتم رفعه أول مرة في عام 2011 عدة سنتات وهي زيادة غير متكافئة مع أرباح الشركات الأجنبية من ناحية وارتفاع تكاليف الإنتاج بالشركة الوطنية من ناحية أخري. وتكشف الدراسة أن الأرباح الضخمة التي تحققها شركات السجائر الأجنبية من العمل في السوق المصرية شجعت الشركة اليابانية للتبغ (مشترى شركة النخلة للتبغ والدخان قطاع خاص) للدخول بعلامات تجارية جديدة لسوق السجائر فى مصر، وهذا ما يستلزم تشكيل لجنة من وزارة المالية (مصلحتي الضرائب والجمارك) لمشاركة الشركة الوطنية في وضع قواعد التعاقد بما يحافظ علي استحقاقات الخزانة العامة، ولتلافي سلبيات عقود التصنيع للشركات الأجنبية المعمول بها حاليا. وتقول الدراسة إنه يمكن تعظيم موارد التأمين الصحى من خلال إعادة التفاوض على قواعد إنتاج السجائر الأجنبية الجديدة فى السوق المصرى. ويعود فرض رسم علي السجائر لصالح التأمين الصحي لقرار وزير المالية رقم (29) لسنة 1992 القاضي بتحصيل مبلغ (10 قروش) علي كل علبة سجائر فئة (20 سيجارة) لصالح التأمين الصحي، وذلك دون الأخذ في الاعتبار اختلاف سعر بيع العلبة الذي كان وقتها متقارباً لحد ما. وعلي الرغم من دخول السوق المصرية أصنافاً عديدة من السجائر الأجنبية (أسعار بعضها تزيد على ضعفي أسعار بيع السجائر الوطنية) إلا أن رسم التأمين الصحي ظل ثابتا عند العشرة قروش للعلبة. وتؤكد الدراسة أن ذلك أدي إلى أن يصبح مدخن السجائر المصرية المنخفضة السعر وغالبيتهم من محدودي الدخل يساهم بنسبة 1.5% من سعر العلبة لصالح التأمين الصحي بينما تنخفض هذه النسبة لمدخن السجائر الأجنبية ذات السعر المرتفع (ومدخنها من الفئة القادرة مالياً) إلي 07% (أي أقل من نصف نسبة الرسم الذي يدفعه مدخن السجائر الوطنية) شكل رقم (1) وهو ما أضاع علي التأمين مبالغ مالية ضخمة علي مدي السنوات الماضية كان من الممكن تحقيقها لو تم تعديل القانون. كمية وأسعار بيع السجائر في السوق المصرية وتبلغ مبيعات السجائر في السوق المصرية (المصرية والأجنبية المصنعة محليا) لقرابة ال 80 مليار سيجارة سنويا، وتختلف أسعار بيعها للمستهلك (سجائر تنتجها الشركة الوطنية يتراوح سعر بيع العلبة ما بين (6 جنيهات و7.5 جنيه) وسجائر أجنبية تصنع محليا يتراوح سعر بيع العلبة ما بين (10 جنيهات و17 جنيهاً) ويوضح الجدول رقم (2) تفاصيلها. جدول رقم (2) يبين أسعار وكميات السجائر المباعة بالسوق المحلية سعر البيع للعلبة 6 جنيهات من 7 إلى أقل من 10 جنيهات من 10 إلى أقل من 15 جنيهاً أكثر من 15 جنيهاً الكمية بالمليون سيجارة 36393 23259 14517 5840 وفي ظل ثبات رسم التأمين لأكثر من عشرين عاماً، وتنوع أسعار البيع أصبح الأمر في حاجة عاجلة لمعالجة ويتمثل هذا التصحيح في جعل رسم التأمين الصحي (نسبة من سعر بيع العلبة، أو وضع زيادات مقطوعة ومتدرجة (10/20/30/40/50 قرشاً) تتناسب مع أسعار البيع، وهو ما يضيف لموارد التأمين الصحي من السجائر زيادات تقدرها الدراسة المطروحة بمبالغ تتراوح ما بين 350 مليون جنيه و750 مليون جنيه من السجائر سنويا تزداد مع زيادة عدد المدخنين وذلك وفقا للسيناريوهات التالية: السيناريو الأول الإبقاء علي الرسم الحالي (10 قروش للعلبة) بالنسبة للسجائر المصرية التي تباع ب (6 جنيهات للعلبة) وزيادة رسم التأمين إلي (20 قرشاً) للعلبة التي تباع ما بين 7 وأقل من 10 جنيهات) وزيادة الرسم إلي (30 قرشاً) للعلبة التي تباع ما بين (10 إلي أقل من 15 جنيهاً) وزيادة الرسم إلي (40 قرشاً) للعلبة التي تباع بأكثر من 15 جنيهاً. السيناريو الثاني زيادة الرسم الحالي بالنسبة للسجائر المصرية التي تباع ب (6 جنيهات للعلبة) من (10 قروش إلي 20 قرشاً) وزيادة رسم التأمين إلي (30 قرشاً) للعلبة التي تباع ما بين 7 وأقل من 10 جنيهات) وزيادة الرسم إلي (40 قرشاً) للعلبة التي تباع ما بين (10 إلي أقل من 15 جنيهاً) وزيادة الرسم إلي (50 قرشاً) للعلبة التي تباع بأكثر من 15 جنيهاً. ووفقا لهذا السيناريو: تزيد حصيلة التأمين الصحي إلي (1150 مليون جنيه) بدلا من الحصيلة الحالية (حوالي 400 مليون جنيه) وبزيادة تقدر بحوالي 750 مليون جنيه عن المتحصل حاليا. وتشير الدراسة إلى أن هذه الزيادات غير مؤثرة علي سعر البيع النهائي للمدخن، نتيجة الأرباح الضخمة التي تحققها شركات السجائر الأجنبية، كما أنها تمثل نوعا من تحقيق العدالة الضريبية. وفي ضوء ما سبق يقترح تعديل قرار وزير المالية الصادر عام 1992 ليصبح رسم التأمين الصحي متدرجا مع سعر بيع العلبة لتحقيق زيادة موارد التأمين الصحي بمبلغ يتراوح ما بين 340 مليوناً و750 مليون جنيه سنويا، وكذلك إضافة المعسلات بذات القرار وإخضاعها لرسم التأمين الصحي المقترح. وتتطرق الدراسة إلى نظم الضرائب المفروضة على السجائر لتنتهى إلى عدم التكافؤ بين المنتجات الأجنبية والمحلية فى تلك الأعباء حيث فرضت ضريبة إضافية مقطوعة علي السجائر قدرها 125 قرشاً علي كل علبة سجائر (20 سيجارة) اعتباراً من أول يولية 2010 ودون مراعاة للفروق في أسعار البيع مما حمل مدخني السجائر الوطنية والتي تباع حينها بحوالي خمسة جنيهات للعلبة عبئاً إضافياً يشكل قرابة ال 25 % من سعر البيع. في ذات الوقت لم تتجاوز هذه الضريبة نسبة 10% من سعر بيع معظم السجائر الأجنبية المصنعة محليا وهي الأعلي سعرا ويدخنها أصحاب الدخول المرتفعة. وإذا تم تطبيق نفس النسبة المطبقة علي السجائر الوطنية (25%) علي السجائر الأجنبية المصنعة محليا (والتي تدخنها شريحة ذات دخل مرتفع) ستؤدي إلي زيادة موارد الخزانة العامة بحوالي 1455 مليون جنيه. وتنتهى الدراسة إلى أن فرض مبالغ (مقطوعة) علي علبة السجائر دون وضع «سعر البيع» في الاعتبار أفقد الخزانة العامة وهيئة التأمين الصحي مبالغ طائلة خلال السنوات السابقة، صبت في صالح شركات السجائر الأجنبية ووكلائها، وزادت من أرباحها التي يذهب معظمها لحساب هذه الشركات بالخارج. الأمر يساهم في خلق طلب متزايد علي الدولار. وأدي عدم تحقيق العدالة الضريبية وانحيازها لصالح السجائر الأجنبية إلي أن يتحمل مدخن السجائر الوطنية ذات السعر المنخفض نسبة أعلي من نسبة الضرائب التي يتحملها مدخن السجائر الأجنبية (ذات السعر المرتفع) والتي تدخنها الطبقة الأعلي دخلاً وهو ما جعل (الفجوة السعرية) تضيق بين أسعار السجائر الوطنية وأسعار الشريحة الوسطي من السجائر الأجنبية، الأمر الذي سيجعل أعداداً كبيرة من مدخني السجائر المصرية تتحول لتدخين السجائر الأجنبية وما لذلك من أثر سلبي علي صناعة السجائر الوطنية. وتضيف الدراسة أن ثبات مقابل تصنيع السجائر الأجنبية علي خطوط إنتاج الشركة الوطنية عند (الخمسة دولارات للألف سيجارة) منذ بداية التصنيع وتحريكه عدداً من السنتات لا يمكن أن يتناسب مع ما تحققه السجائر الأجنبية من أرباح نتيجة الزيادات التي تقررها لأسعار منتجاتها وتوسعها في السوق المحلية أو مع ارتفاع تكاليف التصنيع التي تتحملها الشركة الوطنية (أجور / طاقة / قطع الغيار... إلخ)، الأمر الذي يوجب إعادة النظر في مقابل التصنيع للحفاظ علي اقتصاديات الشركة الوطنية وحقوقها المشروعة في مقابل عادل.