مر احتياطى النقد الأجنبى برحلة طويلة بين الهبوط والصعود والوصول إلى مستويات تؤمن احتياجات المصريين ولكنه لم يصل إلى مستويات الضعف والسقوط الذى يواجهه الآن ليتحول من نقاط قوة للاقتصاد المصرى إلى أرقام موجبة ولكن بها نقاط ضعف مثل كعب أخيل فى الأسطورة الإغريقية الشهيرة التى تحكى أن ثيتس أم أخيل «Achilles» جنية الماء عند الإغريق وضعت رضيعها أخيل عاريا ممسكة به من كعبه الأيمن فى المياه المقدسة بنهر ستيكس لتعطيه مناعة ضد الموت حتى أصبح بطلاً ومحارباً رهيباً تتكسر على صدره السهام إلى أن يكتشف أحد أعدائه نقطة ضعفه الوحيدة وهى كعبه الأيمن الذي كانت أمه ممسكة به وهى تغمره ولم يمسه الماء المنيع وصوب إليه سهما بدقة ليموت بطل طروادة العظيم مخلفا وراءه حكمة الأسطورة بوجود نقطة ضعف فى أى نظام حماية منيع مثل كعب «أخيل». وهكذا هو حال احتياطى النقد الأجنبى فى الوقت الحالى أصبح مليئا بنقاط الضعف بعد أن كان يشار إليه كعنصر للقوة فى الاقتصاد القومى، ومصادر القوة والضعف للاحتياطى نوضحها فى هذه الرحلة من تكوين الاحتياطى ومرحلة صعوده إلى مرحلة الهبوط إلى مادون الصفر بما يفسر الوضع القائم وانعكاساته السلبية والإيجابية على الاقتصاد وتلبية الواردات وحجم المساعدات العربية به وأين ذهب الاحتياطى ومن المسئول عنه». بداية الرحلة كان الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى المصرى منذ 1952 وما قبلها يعتمد بصفة أساسية على الذهب الذى كانت تعتمد علية كافة البنوك المركزية فى العالم وتكون الاحتياطى النقدى بمفهومه الحالى الذى أخذ مكونات أخرى إلى جانب الذهب كسلة العملات الأجنبية والأوراق المالية ووحدات السحب الخاصة من خلال مرحلتين أهمها كانت في عهد حكومة الدكتور عاطف صدقي وبعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي سانده في ذلك حدوث طفرة في تدفقات النقد الأجنبي ناتجة عن تحويلات المصريين العاملين بالخارج عقب حدوث حرب الخليج الأولي وتدخل السياسة النقدية بالشراء لهذه التدفقات وتم تكوين احتياطات بلغت نحو 22 مليار دولار كانت تغطي نحو 15 شهراً من الواردات السلعية في ذلك الوقت، وأخذ احتياطي النقد الأجنبي في الانخفاض التدريجي بعد اتجاه الحكومة إلي التوسع في مشروعات قومية فاشلة كانت ظروفها غير مواتية ومع حدوث أزمة دول شرق آسيا تدهورت أسعار الصرف وأدى تدخل الحكومات المتعاقبة فى شئون الجهاز المصرفى وسياسات الائتمان مع بعض القرارات التى أدت إلى أزمات مستمرة كان نتيجتها عدم استقرار أسعار الصرف، وتدخل البنك المركزى لضخ الكثير من مليارات الاحتياطي الدولاري للمحافظة علي استقراره، غير أن كل هذه المليارات ذهبت إلي حفنة المضاربين علي الدولار في السوق السوداء، وأدي ذلك إلى انخفاض احتياطي النقد الأجنبي حتي بلغ 14.2مليار دولار عام 2004 في البيانات المعلنة من جانب الحكومة، بينما كان فعليا أقل من 9 مليارات دولار، وهو ما يشير إلي فقد مصر نحو 12 مليار دولار من احتياطياتها خلال فترة قياسية وجيزة بين 1997 وحتي عام 2004 أي خلال سبع سنوات فقط،وكانت قيمة الاحتياطات خلال هذه السنوات رغم الانخفاض بها تغطي نسبة كبيرة من شهور الواردات السلعية، فقد كانت في عام 2000 تغطي 10.2 شهر من الواردات وكانت في يونيو 2003 تغطي 12 شهرا من الواردات السلعية وهي رغم الخسائر لم تفقد قيمة تغطيتها لواردات مصر المحتملة وتركت حكومة عاطف عبيد الاحتياطي عند 14،8 مليار دولار يغطي نحو 9.7 شهر من الواردات. وصعد الاحتياطى مرة أخرى مع برنامج الإصلاح المصرفى الذى نفذه البنك المركزى على مرحلتين منذ عام 2004 تتزامن مع مرحلة زيادة فى معدلات النمو الاقتصادى وصلت إلى 7% عام 2007، رغم أنه لم يصل هذا النمو إلى الشعب نتيجة استئثار الفئات العليا به وبدأت المرحلة الثانية من صعود الاحتياطى نتيجة فوائض ميزان المدفوعات وحجم الاستثمارات وحركة السياحة والصادرات ليبدأ الاحتياطى فى الارتفاع في نوفمبر 2004 نحو 14.9 مليار دولار يما يغطي 8.1 شهر من الواردات. وأخذت السياسة النقدية للبنك المركزي حينها تتجه نحو تعظيم الاحتياطات ودعم الاستقرار في سعر الصرف. انخفاض القيمة في حكومة نظيف وقد ارتفع الاحتياطى تدريجيا ليصل إلى 19.3 مليار دولار فى يونية 2005 بما يغطي 9.6 شهر من الواردات ثم يرتفع الي 22.9 مليار دولار تغطي 9 شهور فقط من الواردات في يونيو 2006، ثم يصل إلي 28.6 مليار تغطى 8.9 شهر يونية 2007، وارتفع إلى 34.7 مليار دولار فى يونيو 2008 تغطى 7.9 من الواردات إلى أن بلغ نحو 36 مليار دولار فى أغسطس 2010 يغطى نحو 8.9 شهر من الواردات السلعية. الانهيار بدأت رحلة الانهيار للاحتياطيات مع ثورة 25 يناير وحالة الانفلات الأمني وتوقف الإنتاج وعمليات هروب رجال مبارك بأموالهم بالنقد الأجنبى إلى الخارج وهروب الكثير من المليارات عن طريق البورصة وسوء إدارة المجلس العسكرى فى ذلك الوقت مما أدى إلى فقد كثير من النقد الأجنبى بلغ 28 مليار دولار بين أموال هاربة من البورصة وأموال ضخها المركزى لتمويل سلع ضرورية. وعندما تسلم الإخوان الحكم كان إجمالى الاحتياطى النقدى نحو 15 مليار دولار تضمن قرضاً قيمته مليار دولار من السعودية، وفى خلال عام استطاع محمد مرسى أن يستدين من الخارج فى شكل قروض وبيع سندات دولارية بمبلغ 13 مليار دولار منها 1.5 مليار دولار منحة لا ترد والباقى (11.5 مليار دولار) قروض خارجية، وما يهمنا هو ما تضمنه احتياطى النقد الأجنبى من ودائع فى عهده نحو 3.5 مليار دولار من قطر و2 مليار دولار من ليبيا، مليار من المملكة العربية السعودية بخلاف مليار فى عهد المجلس العسكرى و2 مليار من تركيا، بخلاف 9 مليارات أذون وسندات خزانة مقومة بالدولار وبالتالى يكون الاحتياطى النقدى الحقيقى لمصر فى عهد مرسى وصل إلى تحت الصفر بسالب 4.5 مليار دولار. مساعدات عربية وبلغ حجم الودائع التى دخلت بالفعل أرصدة الاحتياطى الأجنبى منذ يوليو الماضى، وحتى الآن، 7 مليارات دولار من 3 دول عربية، هى الإمارات والسعودية والكويت. وكانت تعهدت 3 دول خليجية كبرى، بعد ثورة 30 يونية، بتقديم مساعدات وودائع بإجمالى 12 مليار دولار، لمصر، تتمثل فى دولة الإمارات العربية المتحدة بمساعدات بقيمة 3 مليارات دولار، تتضمن 2 مليار دولار وديعة لدى البنك المركزى المصرى، ومنحة قدرها مليار دولار، والمملكة العربية السعودية، بمنح مصر 5 مليارات دولار، عبارة عن 2 مليار دولار وديعة، ومليار نقدًا، و2 مليار نفط وغاز، وأخيرًا الكويت بمنح مصر 4 مليارات دولار، عبارة عن 2 مليار دولار وديعة، ومليار منحة لا ترد، ومليار أخرى مشتقات نفطية. وبالتالى فإن الاحتياطى أصبح مثقلا بنحو 8 مليارات دولار بعد رد نحو 3.5 مليار لقطر و9 مليارات دولار الأذون والسندات ثم نحو 2 مليار دولار مساعدات وقروض أجنبية أتت من الصناديق العربية والمؤسسات المساهمة فيها مصر ونحو 7 مليارات بعد 30 يونية ليصبح الإجمالى 26 مليار دولار بينما يبلغ الاحتياطى حاليا 17 مليار دولار بنهاية يناير 2014 وبالتالى يقترب الحجم الحقيقى لاحتياطى النقد الأجنبى إلى سالب 10 مليارات دولار. نقاط الضعف ولا شك أن هذه الاحتياطات والمساعدات العربية سيأتى اليوم المحدد لأجلها وتعود إلى حيث أتت. ومع استمرار حالة التراجع فى الموارد الأجنبية وتراجع الإنتاج فإنه من غير المتوقع أن تكون الدولة فى وضع يجعلها غير قادرة على شراء السلع الاستراتيجية الضرورية للمواطنين وبالتالى التعرض إلى موجة من الغلاء أو الفقر للطبقات الأكثر هشاشة فى المجتمع وبالتالى إما ظهور موجة ثالثة من ثورة أو الموت جوعا لهذه الفئات، ومن الملاحظ أنه رغم الارتفاع الكبير في قيمة الاحتياطات الدولية لمصر إلا أن نسبة تغطيتها للواردات السلعية انخفضت بكثير حتي عن الفترات التي شهدت أحلك الأزمات التي مرت بها البلاد، وهناك فرق بين التغطية التي بلغت 15 و12 شهرا عن نسبة التغطية الحالية. تحت الصفر وأصبح الاحتياطى حاليا تحت الصفر ممثلاً وضعاً سالباً كما يؤكد الخبير الاقتصادى الدكتور أحمد آدم أنه فى حالة خصم جملة المساعدات التي حصلنا عليها من دول قطر وليبيا وتركيا والمقدرة ب 11 مليار دولار وكذلك أذون الخزانة المقومة بالدولار واليورو والتي قامت بتغطيتها بنوك تعمل في مصر وهي بقيمة لا تقل عن 8.5 مليار دولار تكون قيمة الاحتياطي المصري من العملات الأجنبية عجزاً بقيمة 4.5 مليار دولار، بينما رقمها المعلن 14.9 مليار دولار نهاية فترة حكم الدكتور مرسي وتقع المسئولية بالكامل عن هذا العجز على عاتق محافظ البنك المركزي المصري السابق والمجلس العسكري السابق كما تقع المسئولية على الرئيس المعزول محمد مرسي والسياسات الخاطئة للبنك المركزى حينها وبالتالى فإنه من الضرورى تشكيل لجنة لمعرفة فيما تم إهدار الاحتياطات الدولية لمصر من العملات الأجنبية وخصوصاً في أول ستة أشهر من بعد ثورة 25 يناير. فالواقع أن الاحتياطات لم تكن 36 مليار دولار فقط، بل كانت هناك احتياطيات لم تدرج ضمن الأصول الرسمية للاحتياطات بقيمة 7,3 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2010 تلاشت تماماً في فبراير 2011. بخلاف الحساب المجمد بالبنك المركزى والذى كان فتح حسابه مبارك من تدفقات المساعدات العربية بعد حرب الخليج وبلغت قيمته 9 مليارات دولار تعادل 63 مليار جنيه استخدمتها حكومة الببلاوى الحالية فى سد عجز الموازنة وحزم التنشيط الاقتصادى مع المساعدات العربية الأخيرة، إضافة إلى ضرورة تشكيل لجنة بها أعضاء متخصصون في الذهب لجرد الذهب الموجود بالاحتياطات الدولية لمصر من العملات الأجنبية والبالغ 2430844 أوقية أي ما يوازي 75.6 طن. نظراً لأن جرد هذا الذهب يتم كل خمس سنوات ولا يوجد بلجان جرد الذهب أعضاء متخصصون في هذا المعدن كما أن هناك إحدى الجهات السيادية أكدت في أحد تقاريرها والذي نشر بأحد الجرائد القومية بأن جمال مبارك نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك قد تلاعب واستبدل الذهب الموجود بالاحتياطات والذي يجب أن يكون من نوعية ودرجة معينة لا يعلمها سوى المتخصصون. ويجب إجراء تعديل على قانون البنوك الحالي يقضى بتحويل فروع البنوك الأجنبية العاملة بمصر إلى شركات مصرية مساهمة أي إلى بنوك مستقلة بذاتها عن البنك الأم لها رأسمالها ولها مجلس إدارتها لاعتبارات مهمة منها على سبيل المثال ارتفاع مخاطر تواجد هذه البنوك في مصر لتبعيتها للبنوك الأم في الخارج والذي يموج بالمشاكل المالية ويمكن أن يضرب وبقوة استقرار الجهاز المصرفي المصري فيما لو تأثرت أي من هذه الفروع بمشكلات بنوكها الأم. كما أنه لابد من إصلاح أوضاع البورصة فما زالت البورصة المصرية تعد من البورصات الناشئة ولم يستطع القائمون عليها طوال أكثر من عقدين من الزمن إصدار القوانين والتشريعات التي تحد من المضاربة وتدفعها لقائمة البورصات المتقدمة.