قالت وكالة رويترز: إن كثيرين لا يشكون في أن الجيش المصري يريد الانسحاب من ادارة الشؤون اليومية للبلاد لكن في الوقت ذاته لا يتوقع كثيرون ان يذعن قادة الجيش لقيادة مدنية عندما يعودون الى ثكناتهم. ويقول محللون: إنه بدلا من ذلك من المرجح أن ينتقل الجيش الى ظلال السياسة كحام للأمن القومي وهي عبارة مطاطة تتيح للجيش التدخل من وراء الكواليس والدفاع بقوة عن مصالحه التجارية وغيرها من الامتيازات. وكان الجيش هو المؤسسة التي خرج منها كل رؤساء مصر السابقين على مدى نحو 60 عاما ومنهم مبارك الذي كان قائدا للقوات الجوية. وتعهد الجيش باجراء انتخابات برلمانية في سبتمبر تعقبها الانتخابات الرئاسية. وقال كمران بخاري المحلل في شركة ستراتفور للمعلومات: "الجيش المصري هو المؤسسة التي يمكن ان تحافظ على تماسك البلاد وتدفعها الى الامام. إنه الوحيد القادر على ذلك." ومضى يقول: "لا أتصور أنه سيتنازل عن السلطة لنظام برلماني وليد يوجد به رئيس أيضا." وتابع قائلا: "هناك مصالح مادية له كمؤسسة. وضعهم المميز.. انهم يريدون أن يتمكنوا من الاحتفاظ بذلك.. هناك بواعث قلق حقيقية فيما يخص الامن القومي." ولتحقيق هذه الغاية هناك عدد من النماذج التي يمكن لمصر تقليدها. وأقرب هذه النماذج لمصر تركيا حيث يقوم الجيش بدور حامي الدستور العلماني منذ عشرات السنين وأطاح بحكومات عندما لمح تهديدا لذلك. ومع صعود حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان للسلطة أضعف هذا الدور للجيش. وهناك نموذج باكستان على سبيل المثال، حيث قال بخاري: ان هناك "قاعدة غير مكتوبة تنص على أن كبار القادة العسكريين يشاركون في عملية صنع القرار أو عملية صنع السياسة الخارجية." ويمكن أن تضع مصر صيغة خاصة بها. وقال بخاري: ان الجيش ربما يرغب في اضافة بند في الدستور ينص على ضرورة مشاورته فيما يتعلق بالامن القومي لضمان أن تكون له كلمة في صنع القرار. وينفي الجيش وجود أي طموح له من هذا القبيل. وقال مسئول عسكري لرويترز طلب عدم نشر اسمه: "الدستور الحالي يحدد وظيفة الجيش واذا تغير هذا فسيكون عبر البرلمان بعد دراسات وبناء على مطالب الشعب." ومضى يقول: "لكن حتى الان ليست هناك خطط لتوسيع سلطات الجيش أو منحه سلطات جديدة." لكن ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية قال في تصريحات نشرت في صحيفة المصري اليوم في مايو: "ان الدستور يجب أن يحقق للجيش نوعا من التأمين حتى لا يكون تحت هوى رئيس الدولة أيا كان شخص أو شكل هذا الرئيس". وقال أيضا: انه يجب ألا يسمح للبرلمان باستجواب القوات المسلحة. وأثارت مثل هذه التصريحات غضب المعلقين. وقال عمرو الشوبكي في مقال: "انه يجب ألا يحظى الجيش بأي حصانة خاصة لكنه قال انه لابد أن يكون له دور في حماية الديمقراطية المصرية". وبالنسبة للوقت الراهن لا تخضع المؤسسة العسكرية للتدقيق الشعبي. وكما كان الحال ابان عهد مبارك فإن الميزانية العسكرية ما زالت أمرا غامضا ويسيطر الجيش على امبراطورية تجارية لكن حجمها غير واضح. وتساءل دبلوماسي غربي عن حجم المصالح التجارية للجيش مقارنة بالاقتصاد ككل وقال: "التقديرات متفاوتة بصورة كبيرة.. حتى ان بعضها يصل الى 40 في المائة.. وهو ما أعتقد أنها نسبة غير دقيقة على الاطلاق. نحن لا نعلم على سبيل التحديد". ويشير البعض الى نسبة اكثر واقعية بين 10 و15 في المائة. وبالنسبة لكثيرين في مصر التي يسكنها 80 مليون نسمة والتي ولد ثلثا سكانها خلال حكم مبارك ولم يعاصروا حاكما غيره فإن وجود الجيش يمنح شعورا بالامان. ويوقر كثير من المصريين الجيش بسبب دوره في محاربة بريطانيا وفرنسا القوتين الاستعماريتين السابقتين في حرب 1956 واسرائيل خاصة في حرب 1973 التي أدت الى استعادة شبه جزيرة سيناء. والجيش هو المؤسسة الوحيدة فعليا في الدولة التي لم تتأثر بالاحتجاجات. وهو يمنح المستثمرين الثقة بينما تعمل البلاد على اعادة بناء نفسها. وقال انجوس بلير من بلتون فايننشال: "من اجل الاستمرار ولتوفير عنصر الامن فان وجود مؤسسة تابعة للدولة تعمل بكفاءة امر مهم" مضيفا أن هناك حاجة الى "تطور في مؤسسات اخرى". وكان المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة يوما الملحق العسكري لمصر في باكستان وهو على دراية على ما يبدو بمثالب الحكم العسكري. وكتب السفير الامريكي في برقية تم تسريبها وتعود لعام 2009 عن كلام صدر عن طنطاوي في ذلك الحين قال فيه: "أي بلد أصبح الجيش فيه مشاركا في الشئون الداخلية محكوم عليه بمواجهة كثير من المشكلات".