ظاهرة جديدة تنذر بعواقب وخيمة تتمثل في شكوى الكثير من ملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية من توقف التبرعات التي كانت تصل لهذه المؤسسات قبل نجاح ثورة 25 يناير التي أطاحت برموز النظام الفاسد. حيث خلت خزائن بعض هذه الملاجئ من أية أموال وأصبحت عاجزة حتى عن تدبير نفقات الطعام والشراب ، وعلى سبيل المثال لا الحصر أفلس ملجأ أيتام "الوفاء والأمل" بحي مدينة نصر تماما، وقالت مديرة الملجأ إنه منذ بداية الثورة توقف رجال الأعمال عن دفع حصصهم الشهرية من التبرعات. والآن يواجه الدار خطر المجاعة الحقيقية فلا يوجد طعام أو دواء في الملجأ وذلك بعد توقف التبرعات التي كانت تصل للملجأ بشكل منتظم. أما في دار رعاية المسنين بشارع احمد حلمي بشبرا فقد اضطر مدير الدار لاستدعاء ذوي المقيمين وطلب منهم اصطحابهم لذات الأسباب تقريبا، فالدعم الحكومي لا يكفي لأيام فيما الاعتماد الأكبر على ما يدفعه أهل الخير ورجال الأعمال من تبرعات يتم من خلالها الإنفاق على النزلاء. خد الفلوس واجري ويرجع البعض أسباب هذه "الردة" لعدة عوامل، لعل على رأسها حالة الركود الاقتصادي التي أصابت مختلف أوجه الحياة في مصر على خلفية عدم استقرار الأوضاع السياسية طوال الأشهر الماضية، وكذلك بعض جرائم الانفلات الأمني التي تعتبر عامل طرد لا جذب بالنسبة للاستثمار بشكل عام ، مما يؤدي لتفاقم الأزمة. فيما يرى آخرون أن حالة الخوف على رؤوس الأموال والتجارة تلعب دورا مهما فكما يقال : "رأس المال دائما جبان" فالملاحظ أن هواجس الخوف من القادم والتقلبات التي لا يعلم أحد إلى أين ستحمل سفينة مصر كل هذا أسهم في تنمية الشعور بالاكتناز واختصار العديد من النفقات. ومع الأسف جاء بند "الباقيات الصالحات" وعمل الخير على قائمة هذه "الوفورات" رغم أنها ،وبشهادة الجميع، تمنح الأموال بركة وسعة في الرزق لا يضاهيها أي استثمار آخر أو تجارة أو بيع. أما الفريق الثالث فيفسر هذه الظاهرة بارتباط عمل الخير في وقت من الأوقات ببعض الأشخاص أو القيادات التي إما تقبع خلف قضبان السجون، أو أنها فرت خارج البلاد عملا بمبدأ "خد الفلوس واجري" التي يؤمن بها الفهلوية و"بياعين الهواء" الذين كانوا يتخذون من عمل الخير ستارا على جرائمهم الخطيرة. بل أن بعضهم كان يتخذها سبيلا لغسيل الأموال القذرة في فترة من الفترات، وبعد أن انكشف المستور وبات اللعب في النور كما يقولون ظهر "المستخبي" وبانت معادن الناس على حقيقتها. ساعة تروح وساعة تيجي ظاهرة أخرى تفسر انحسار تدفق الأموال على الملاجئ ودور الرعاية تتمثل في لجوء بعض الشركات الكبرى لمبادرات عمل الخير كجزء للدعاية التجارية، فتجد شركة كبرى أو مؤسسة ضخمة تعلن عن حملتها لكساء المحتاجين أو للقضاء على الجوع مثلا وبالتالي تحرم دور الأيتام من هذه "الصفقات". والواقع أنه أيا ما كانت الأسباب أو الدوافع التي تقف وراء هذا التراجع عن تقديم التبرعات وحالة التردي التي وصلت لها تلك الملاجئ وغيرها، فإننا بتنا أمام مسألة لا تحتمل الانتظار بل تحتاج لحسم فوري وهي ضرورة إيجاد موارد حقيقية دائمة لهذه الدور ، وأن يخصص لها بنود اعتماد ثابتة من ميزانية الأوقاف أو الأزهر أو حتى الضرائب على سبيل المثال لا الحصر. فحسب معلوماتنا أن حصيلة صندوق الزكاة تزيد بالملايين كل عام بل أنه روي أنها فاضت في أحد الأعوام بعشرة مليارات جنيه ، فلماذا لا تخصص حصص ثابتة لهذه الملاجئ من تلك الحصيلة على أن تنفق تحت رقابة المسئولين لضمان وصول الحق لأصحابه ، بدلا من الاعتماد على الحالة المزاجية للأفراد التي من كل أسف "ساعة تروح وساعة تيجي" ، فأرواح الأيتام وكبار السن ليست لعبة في أيدينا