فوق الأهمية المتعارف عليها للدستور في شتى دول العالم، كمنظم لحركة المجتمع، وعقد اجتماعي مُحكم بين المواطن والدولة، أضافت الجماعة الإرهابية للدستور المصري الجديد بُعداً جديداً، باعتباره الأداة الرئيسة لإزالة آثار عام الحكم الإخواني البغيض الذي ابتليت به الثورة المصرية في طريقها نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة. فقد أضحي الدستور الجديد نقطة فارقة في طريق الركب الثوري، يصح بمقتضاها إعمال الكثير من المعايير الحاكمة لحركة المجتمعات نحو مستقبلها، أو الارتداد سريعاً باتجاه يُعاكس جوهر الثورة المصرية المجيدة، وهو لذلك محط أنظار العالم في متابعته لمجريات الثورة المصرية المُلهمة. من هنا لا ينبغي أن يغيب عن إدراكنا أن كافة السُبل ستطرقها الجماعة الإرهابية، تحت رعاية تنظيمها الدولي، وبدعم سياسي من القوى الدولية والإقليمية ذات المصالح المشتركة، في سبيل عرقلة عملية إنتاج الدستور الجديد، وإن أدى ذلك إلي تنشيط الجهود الرامية إلي زعزعة استقرار المنطقة بأسرها، إذا لم تنجح المؤامرات الساعية إلي تحويل انتباه مصر عن المشهد الداخلي، بإثارة نزاعات إقليمية تشتت انتباه الرأي العام المصري. وفي هذا السياق، ينبغي الإشارة إلي أن إثارة جُملة من الصراعات الإقليمية تدخل الدولة المصرية طرفاً فيها، هو أمر يهدف بالأساس إلي استنزاف جهد الدولة المصرية، وإضعاف ثقة الشعب بالقائمين علي إدارة شئون الدولة؛ ومن ثم تفقد الثورة المصرية وحدتها في مواجهة أعدائها، وتنجح القوى المعادية للثورة في الحيلولة دون استرداد مصر لمكانتها الرائدة في المنطقة، واحتجازها داخل مجموعة من القضايا سابقة التجهيز خارج حدود المنطقة، والمُعدة سلفاً لاستدعائها وفق مقتضيات الأمور علي الأرض في المنطقة. ولا ينفصل عن ذلك ما تشهده الجامعات المصرية من طائفة بائسة، من عنف لا يهدف سوى إلي تشويه الصورة الذهنية للمؤسسات الأمنية، بعد أن استردت دورها الوطني والتحمت بجموع الشعب في الثلاثين من يونيو، وهو أمر تدركه القوى الثورية الحقيقية، قدر ما ترصده المؤسسات الأمنية؛ فليس من شك أن شباب الوطن لا يمكن اختزاله في تلك الفئة الضالة، والتي لا يمكنها التعبير عن الهوية الحقيقية لجموع شباب مصر، وقد كان الشباب مُفجر الثورة المصرية المجيدة في الخامس والعشرين من يناير، وصانع الامتداد التصحيحي للثورة في الثلاثين من يونيو. وبقدر ما ستظل الثقة مؤكدة في نجاح ثورتنا المجيدة، لا ينبغي أن يضل الأمل طريقه إلينا ونحن نشاهد شباب الجماعة وقد غُرر به، وراح يطلب «الشهادة» قتلاً ودماراً وسفكاً لدماء أخوته من أبناء الوطن، وهو ما يمكن إدراكه بجهود مجتمعية، تنهض فيها القوى السياسية بدور حقيقي، إلي جنب مؤسسات المجتمع المدني، وكافة مكونات القوة الناعمة للدولة المصرية، فضلاً عن المؤسسات التعليمية والدعوية. ولا يقلل ذلك من ضرورة الحسم في المواجهات الأمنية «القانونية»، وبما لا يدع مجالاً للشك في قدرة وتصميم الدولة علي بسط هيمنتها وسيادتها علي كافة أطراف المشهد الوطني، بما يدعم سيادة الدولة القانونية، وفي ذلك التعبير الأصدق عن الدستور الجديد. صحيح أنه ليس علينا إن نحن أعملنا القانون وحده في مواجهة ما تفرزه الجماعة من إرهاب وعنف، يُراد به تنحية الوطن جانباً بعيداً عن المجتمعات المتحضرة المعاصرة، التي طالما اهتدت بفكر وأداء الدولة المصرية عبر آلاف السنين. غير أن مصر، بحجمها وقدرها، ودورها الريادي بين الأمم، لا يمكنها التضاؤل إلي حد الدخول في صراع مع «تنظيمات» إرهابية تمنعها من المُضي قدماً في سبيل اللحاق بنصيبها العادل داخل منظومة المجتمع الدولي؛ ومن ثم لا ينبغي أن توقف مواجهتنا للإرهاب كافة الجهود الرامية إلي تحقيق التنمية الشاملة، المنوط به إنجاز الطموحات الثورية المشروعة. وبقدر ما ينزفه الوطن من جهد أمني، وآلام ومعاناة للمواطن، جراء مواجهة عنف وإرهاب الجماعة؛ فإن وحدة الصف الوطني هي المُنجز الثوري الحقيقي، فليس يدعم الإرهاب قدر تراخي الثقة بين الشعب ومكونات دولته، وشيوع الانتماءات الضيقة، إذا ما عمت المشهد الداخلي.