بل جهد جهيد، وعزيمة لا تلين، لتصح مواجهتنا لأعداء الوطن، فلا تكفي «نعم» نقولها للدستور الجديد، دعماً لآمال الأجيال القادمة في دولة ديمقراطية حديثة تضع الوطن في موقعه المنطقي داخل منظومة الدول المتحضرة، وتؤكد حقيقة الثورة المصرية بوصفها الامتداد الطبيعي لإسهامات الشعب المصري العريق، في تقدم المسيرة الإنسانية عبر آلاف السنين. فليس من شك أن إقرار الدستور يعد خطوة واثقة في الاتجاه الصحيح، إلا أن اقتصار الأمر علي هذا النحو يسحب الكثير من المسئوليات الملقاة علي عاتقنا ونحن في مرحلة دقيقة لا تتيح لنا فرصة التراخي عن أداء الواجب الوطني كاملاً. فرغم الأهمية البالغة لإقرار الدستور الجديد، وبمعدلات حضور عالية أمام لجان الاستفتاء، وتحقيق نسبة موافقة تجسد ما توافقت عليه الملايين، وشاهده العالم بكل إعجاب، إلا أن تثبيت أقدام الثورة علي طريقها نحو إنفاذ الإرادة الشعبية يقتضي ما هو أكثر، بما يتناسب وحجم المخاطر المحيطة بالوطن، وبما يعزز من أثر الثورة المصرية في الفكر الإنساني. تنتظرنا إذن منعطفات علي قدر كبير من الأهمية يحفل بها الطريق الثوري الذي خطته الملايين لنفسها في الخامس والعشرين من يناير، وأعادت رسمه في الثلاثين من يونية بعد ما ناله من تشويه متعمد من جانب الجماعة الإرهابية، وحاشيتها في الداخل والخارج. لا يشير ذلك فقط إلي الاستحقاقات التالية بموجب خارطة المستقبل، من انتخابات برلمانية ورئاسية، وهي إنجازات واجبة النفاذ، لا ينبغي التراخي في سبيل تجنيبها، قدر الطاقة، ويلات المزايدات السياسية، وهي أمور لا ينبغي أن نشق علي أنفسنا إذا ما تداعت إلي المشهد السياسي، فتلك سمة مميزة، ذائعة الانتشار في المراحل الانتقالية التي تمر بها الأوطان جراء عملية التحول الديمقراطي، طالما بقيت في حدودها المنطقية الملائمة لطبيعة المجتمع المصري، ومعاناته الطويلة عبر أنظمة متعاقبة فشلت في تحقيق التنمية الشاملة المميزة للمجتمعات المتقدمة. فإذا ما واجهنا ما ينتظرنا من عقبات، دون أن نفقد روح الثورة، وجوهرها الإنساني، فنحن إذن نمتلك نظرة موضوعية، تزيد بالقطع من عزيمتنا، وتشد من أذرنا، فنجابه النفس قبل الغير، في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه الوطن، باعتبار إرادته الحرة، العقبة الكبرى في سبيل إنفاذ إرادة بعض القوى الدولية الرامية إلي إعادة صياغة المنطقة، بما يحقق مصالحها، وما يفرضه ذلك من إعادة تشكيل كثير من التحالفات والمحاور المتشابكة في المنطقة؛ ومن ثم لا ينبغي لنا أن نلقي «بسلاح الثورة»، فما زال في الميدان ما هو أكثر من الاستحقاقات المترتبة علي خارطة المستقبل. الثورة إذن مفهوم لا ينبغي أن يغيب عن المشهد الداخلي، وهو مفهوم كلي، الاجتزاء منه يهدر جوهره الحقيقي، فللديمقراطية أعباء، هي جزء أصيل منها؛ ومن ثم لا يصح التخفف منها سعياً إلي تحقيقها.! «الوفد»