أكد الدكتور سعد الزنط مدير مركز الدراسات الاستراتيجية وأخلاقيات الاتصال أن خارطة المستقبل سوف تستكمل جدولها المخطط، وأي انحراف عنها سيؤدي لنتائج سيئة ليست في صالح مصر وقال في حوار شامل ل«الوفد» إن المؤسسة الأمنية تتطلب إعادة النظر في ثقافة منسوبيها ليس لأنها فاسدة ولكن لكي تتمكن من إدارة منظومة مكافحة الجريمة بما يلائم المستجدات، وحذر من مساعدة القوات المسلحة في حفظ الأمن، حتي لا يتم استدراج المؤسسة العسكرية الي فخ تغيير عقيدتها القتالية وهذا يتطلب صياغة رؤية استراتيجية لمنظومة الأمن القومي وأوضح أن مصر بحاجة الآن إلي قادة جدد لديهم قدرة علي التقاط أحلام الناس وتحويلها الي أهداف كبيرة وحشد كل امكانات الوطن لإنجازها وذكر أن مواجهة الإرهاب الآن قضية كبيرة لأن مصر تواجه إرهابا دوليا يتم التخطيط له من أجهزة مخابرات وقوي كبيرة ومن بعض الأشقاء الذين يتم استخدامهم قواعد إطلاق نحو مصر الهدف، ونبه الي أن الحقوق والمسئوليات في ميزان التاريخ الإنساني صناعة مصرية منذ الفراعنة، ودعا الي الاهتمام بالأحزاب والحركات السياسية لأنها ورقية أكثر منها واقعية، كما دعا القوات المسلحة الي شرح مواد الدستور المتعلقة بها والتأكيد أن القضاء العسكري ليس قضاء استثنائيا كما يتهم البعض. وحول قرارات العفو الرئاسية التي أصدرها الرئيس المعزول محمد مرسي أكد «الزنط» أنها تعبير عن إخفاق أخلاقي أكثر منه خطأ إداريا ومنح الحمساويين الجنسية المصرية مصيبة وجزء من مخطط كبير لتفكيك الوطن. وعن الدستور الجديد قال إن الموافقة عليه مهمة لاستكمال خارطة المستقبل لأن البديل مظلم وقد يصل بنا الي الثورة الثالثة والأخيرة التي ستكون تكلفتها كبيرة جدا من الدم والاقتصاد والمستقبل. ما رؤيتكم للمشهد الأمنى فى ظل تداعيات الأحداث السياسية والأمنية؟ - المشهد الأمني برؤية شاملة رغم ما يبدو من مظاهر ومظاهرات وأحداث وحوادث مؤسفة أفضل بكثير مما كان عليه من قبل فباستثناء ما يقوم به الإخوان وأذرعتهم الإرهابية أعتقد أن الأمن الجنائى تمت السيطرة عليه بشكل مرض للغاية، وجهاز الأمن الوطنى بدأ يتعافى ويؤدى دوره بصورة ملحوظة وهو أمر فى غاية الأهمية. أما بشأن التداعيات السياسية فأعتقد أن خارطة المستقبل سوف تستكمل جدولها المخطط لها وأى انحراف عنه يؤدى لنتائج ليست فى صالح مصر على الصعيد الأمنى وأتمنى هدوء المسرح السياسي خاصة فتن وجرائم الإخوان. نحن بصدد تأسيس للجمهورية الجديدة التى نأمل أن تكون ديمقراطية بحق.. لذا لابد أن يكون للمؤسسة الأمنية فيها دور صحيح بجناحيها الأمن الجنائى والسياسى، ما رؤيتك المستقبلية لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية لتستعيد ريادتها؟ - لا شك أن المؤسسة الأمنية هى العمود الفقرى فى منظومة الأمن القومى المصرى وبقوتها تعلن الدولة عن وجودها بقوة وبهيبة تستحقها، والمؤسسة الأمنية ليست فى حاجة إلى إعادة هيكلة أو تطهير أو ما إلى ذلك من مفردات وتعبيرات صرح بها كل من هب ودب فى مصر فى السنوات التى تلت أحداث 25 يناير 2011 بدون وعى.. فلدينا مؤسسة أمنية وعظيمة ظلمت كثيرا عن قصد، وقد أراد لها من يستهدفها التكسير والانبطاح حتى يتمكن من الأطباق على مفاصل الدولة دون مقاومة وهو أمر أكدناه عشرات المرات من يناير 2011 وحتى الآن فى كل أحاديثنا وحواراتنا واكتشف كل ما لا يصدق ما ذكرناه عبر التحقيقات والتقارير وحتى المعلومات السرية مؤخرا. أقصد بأننا بهذا الاكتشاف يجب أن نغير من مفرداتنا وتوجهاتنا عند تناول هذا الموضوع.. المؤسسة الأمنية تحتاج فقط لإعادة النظر فى ثقافة منسوبيها ليس لأن ثقافتها القديمة فاسدة ولكن لكى تتمكن من إدارة منظومة مكافحة الجريمة بما يلائم المستجدات التى طرأت فى منظومة الجريمة، فالحاضر تغير وتبدل فى كل مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهناك جيل مختلف وطبقات اجتماعية بعضها يتقلب وأكثرها يتآكل وهنك مدخلات جديدة بعضها خطير وأكثرها مهلك إن لم نتمكن من استيعابها وإدارتها بما يناسب ثقافتنا المصرية.. لذا يجب إعادة تعريف مفهوم الأمن بشكل أكثر شمولية وجرأة فى التناول خاصة أن القوات المسلحة بحكم القانون رقم 1 لسنة 2013 أصبحت مكلفة هى الأخرى بالمساعدة على حفظ الأمن وهو أمر يجب أن نتوقف عنده وإلا فنحن نستدرج المؤسسة العسكرية إلى فخ تغيير عقيدتها القتالية وتحويلها لتمس جزءا من العقيدة الأمنية كما نادى بعض النخبة فى السنوات الماضية.. إننا في حاجة الآن إلى رؤية استراتيجية لمنظومة الأمن القومى وإعادة هندسة مكوناته الوطنية وإعطاء مفاهيم وتكاليف ومسئوليات تلائم القادم من أيام الوطن. أزمات مزمنة هل مصر تعانى الفشل فى إدارة أزماتها؟ - مصر تعانى من أزمات مزمنة نتجت عن التراكم وفشلنا فى إدارتها بل وصل الأمر فى حالا كثيرة إلا أن قادتنا بكل أسف كانوا يديرونا بالأزمة وهو الأخطر، وفى تصورى أن كل هذا صنع بالمصري إنسانا مأزوما وتلك كارثة جديدة.. ونحن نحتاج مرة أخرى إلى قادة جدد من خارج صندوق السلطة التقليدية، لأنهم أصحاب الأزمة وصانعوها، قادة لديهم رؤية وقدرة على التقاط أحلام الناس وتحويلها إلى أهداف كبيرة وحشد كل إمكانات الوطن لإنجازها، ولديهم القدرة الشخصية والعلمية على صناعة القرار وجرأة إصداره، وأن تكون الإرادة السياسية جزءا من تكوينهم الوطنى، وأعتقد أن الشباب جدير بأن يتقدم هذه المرحلة ليشارك بحق فى صناعة المستقبل بالكيفية التى يراها هو لا التى تناسب هؤلاء الذين فقدوا القدرة وليس لديهم المصداقية أو الأمانة أو الوطنية الكافية، فالشباب هم قاطرة العبور بمصر إلى الشاطئ الذى تستحق الوصول إليه. هل قانون التظاهر الجديد يمنع حرية التعبير والقوى الثورية من التعبير عن مطالبهم فى ظل التأجج السياسى على الساحة.. وما رأيكم فى مطالبة البعض بسحب هذا القانون؟ - لا بد أن نتعلم ثقافة احترام القانون وثقافة الحوار وثقافة حقوق الإنسان التى نتشوق اليها تقليدا للغرب.. فقانون التظاهر عمره شهور قليلة حيث إنه سيكون لدينا مجلس نواب قريبا وهو المسئول عن صناعة التشريع وإصداره، ثم إن الهدف من القانون هو إعادة تنظيم التظاهرات بما يعطى نوعا من التوازن المطلوب بين حقوق المتظاهرين والمسئولية الأخلاقية الواقعة عليهم تجاه المجتمع، فلنهدأ ونفرق بين الحق والواجب ونكشف الزيف والتضليل واللبس الذى يصنعه البعض لأن الخاسر الأكبر هو الوطن. كيف يمكن مواجهة الإرهاب واحترام الحقوق والحريات «حقوق الإنسان» فى الوقت ذاته؟ - مواجهة الإرهاب قضية كبيرة هذه المرة لأن مصر بكل أسف تواجه إرهابا دوليا يتم التخطيط له وتمويله بأجهزة مخابرات وقوى كبيرة وكثيرة وما يؤلم فى النفس أنه ينفذ إما بأيد مصرية أو شقيقة، والمدهش أن كل الأشقاء أو الذين حسبناهم هكذا سواء من فلسطينغزة أو ليبيا ومؤخرا السودان ومن قبلهم جميعا قطر يستخدمون كقواعد إطلاق أو انطلاق نحو مصر الهدف، ولا يدرك الجميع قيمة وقدرة وأهمية مصر لهم قبل أن تكون لأبنائها، الجميع فقد القدرة على البصيرة القومية وأجهض كل مكونات منظومة الأمن القومى العربى، إنهم بجهل اصطفوا مع الصهيونية والغرب الذى يستميت لإعلان الدولة اليهودية على كل أرض فلسطين المغتصبة وكقوة عسكرية واقتصادية وسياسية إقليمية وما دونها سوف تأكله حرب ضروس جديدة وقريبة تمتد من قوس سني إلى هلال شيعى.. وعندما تحرك شعب مصر فى 30 يونية وظهر القائد الوطنى والقومى الفريق أول عبدالفتاح السيسى وأطل بوجه وصوته وعقله على الدنيا ارتبكت سياسات واستراتيجيات فأجهضت أرحام حبلى بالطمع والاستبداد والزيف الانسانى، فما كان منهم سوى الانتقام والتدمير ثأرا وكرها وقد انجرف فى تيارهم أصحاب الثور الأبيض.. من هنا فموجة الإرهاب هذه المرة عاتية ولكنهم تناسوا أنها مصر التى لم يتجل رب العزة بنورة على أى من ملكه فى الأرض إلا على جبلها تكريما ولم تذكر بلد كما ذكرت مصر فى كل كتبه السماوية ولم تخرج العائلة المقدسة من وطنها إلا إلى مصر وبارك أرضها وشعبها السيد المسيح عليه السلام وهى كنانة الله فى أرضه.. مصر التى تحمل فى أحشاء تاريخها وجغرافيتها سرا لا يعلمه إلا الله وإن كنا كوطنيين نستشعره، مصر قادرة على مواجهة الإرهاب وخلال فترة لن تزيد علي عام إن أخلصنا فى حبها والعمل بأمانة وبوعى. أما عن حقوق الإنسان فأحب أن أؤكد أن الغرب هو أكبر منتهك لحقوق الإنسان وقد طرحها كآلية للضغط على الأنظمة ولترجعوا لتقارير منظمة حقوق الإنسان الدولية ابتداء من أحداث 2010 وحتى تاريخه، بكل أسف نحن الأجدر بتعميم ثقافة حقوق الإنسان لأن شعوبنا لديها من الرصيد الدينى والأخلاقى ما يجعلها تفخر بأن الحقوق والمسئوليات فى ميزان التاريخ الإنسانى صناعة مصرية منذ الفراعنة ومرورا بالحضارة القبطية وختما بالحضارة الإسلامية. وسوف أصدر قريبا كتابا بعنوان: «حقوق الإنسان بين الإلزام القانونى والالتزام الأخلاقى» سيكشف علاقة الشخصية المصرية بقيم حقوق الإنسان ويؤكد على أحقيتنا بهذا الموضوع. كيف تقيّم دور القوى الثورية والحركات والأحزاب السياسية فى هذه المرحلة لبناء الوطن ؟ - بكل أسف الأحزاب والحركات والقوى السياسية جميعا ورقية أكثر منها واقعية.. فلا جذور ولا عمل على الأرض وعموما هناك حاجة لسمات الشخصية المصرية والبحث فى أسباب ابتعادنا عن العمل الجماعى وإخفاقنا فيه ومعالجة ذلك لأنها مسألة خطيرة تتعلق بالبنية التحتية والأساسية فى بناء الوطن، نعالج الأنا المتضخمة فينا ونزرع «نحن» التى اختفت بيننا، وأشير إلى ضرورة العودة والاهتمام بالأسرة المصرية والتعليم الأساسى، ففى هذا الطريق السبيل إلى إنقاذ الوطن، صحيح أن ذلك سوف يستغرق وقتا ومالا ولكنه فى تقديرى الاستثمار الأصوب فى القادم، فيمكننا أن نزرع ثقافة حقوق الإنسان وثقافة أخلاقيات الاتصال ونصل بشعبنا إلى مرحلة الجودة الأخلاقية التى تعد القاعدة الأهم للبناء عليها. ماذا عن الاحتجاجات الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى ومحاولة البعض إلغاءها من الدستور؟ - الجميع يطرح ويناقش هذه القضية وقضايا أخرى تحتاج لمتخصصين، وهذه مسألة خطيرة فالجميع أصبح خبيرا فى كل شئ، صحيح ان ما حدث ويحدث للأن منذ 25 يناير 2011، زاد من الوعى العام لدى الشعب ولكن هناك قضايا لا يجب أن تطرح للمناقشة والرأى على كل من لديه القدرة على الإمساك بميكرفون أو بجريدة.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يؤلمنى أن نفتقد قيمة الوفاء لمن ضحوا بأرواحهم وكل غال من أجلنا على مدار تاريخ العسكرية المصرية، وحديثا نسينا ما فعلوه بعد 28 يناير 2011 والمسئولية الجلل التى تحملوها وحدهم بعد أن أسقطت الشرطة وأغلقت النيابات والمحاكم أبوابها وما فعلوه فى 3/7/2013 وتحرير رقاب المصريين شرف الوطن.. ومع كل ذلك أرجو أن نعيد قراءة المواد الخاصة بالقوات المسلحة فى دستور 2013 ابتداء من مادة 204 بفهم وبوعى وبأمانة المسئولية وببعض الوفاء لهؤلاء الرجال ولهذه المؤسسة الوطنية العظيمة لنكشف أن الأمر تم تضخيمه وتهويله للنيل من قواتنا المسلحة ظلما بهدف استدراجها وبالتالى استدراج مصر كلها لمنعطف خطير.. وأتمنى ان تتولى القوات المسلحة مسئولية شرح هذه المواد بكل أبعادها للشعب على غرار ما قام به السيد اللواء مدحت غزى فى أوائل هذا الشهر حيث كان مثالا للقيادة العسكرية الفاهمة الواعية الوطنية العميقة والمقبولة والواثقة، لقد تمكن من إعادة بناء الثقة بين القوات المسلحة والشعب بخصوص اللبس والتضليل الذى تبناه البعض بغرض الإساءة، وأعتقد أن هناك دورا جديدا بل أدوارا يجب أن تضطلع بها القوات المسلحة تحتمها عليها المستجدات الوطنية والإقليمية والعالمية، ليس فى شرح هذه المواد فقط ولا فى التأكيد على أن القضاء العسكرى ليس قضاء استثنائيا كما يتهم البعض، لكن ما هو أبعد وأعمق، وأتمنى أن تتولى الشئون المعنوية مسئولية كشف الصورة الحقيقية لقواتنا المسلحة وبفاعلية أكثر، فدورها جل خطير وما تقدمه كبير ولكننا فى حاجة لرؤية المزيد. ما رأيكم فى دور الإعلام فى محاربة الإرهاب ما له وما عليه؟ - الإعلام المصري خصوصا الرسمي سقط وفشل تماما فى الاختبار اللهم إلا من بعض الإعلاميين الأكفاء بعيدا عن قنواتهم الباهتة والمترددة وأضم إلى ذلك الصحافة الرسمية باستثناء الأهرام العربى التى أثبتت أنها الأكثر وعيا واحتراما وجرأة، أما الإعلام الخاص فالجميع كان ناشطا بدرجات وفاعلا بمستويات يحررها أصحابها ومن يديرونها، وكم كنت أتمنى أن يسهم إعلامنا بكل أنواعه وتوجهاته فى بناء رأى عام قومى إيجابى تجاه قضايانا خاصة وإننا كنا مهددين ومازلنا وبكل أسف لم نتمكن من مجابهة قناة الجزيرة التى عملت بحرفية شديدة على تضليل كل من يفهم بالعربية.. قطعا الإعلام له دور فى محاربة الإرهاب بل واللعب والتأثير بشكل فاعل فى مرحلة الوقاية أو العلاج وهو أمر يعيه الجميع، ولكن لكى يحقق الإعلام هدفه وهو آلية عظيمة وشديدة التأثير يلزمه توفير إمكانيات فنية وبشرية ومادية وقانونية كبيرة وقيادات من نوع مختلف عمن يصدمونا بوجوههم الباهتة. هناك فجوة تفصل بين المجتمع المدنى ومؤسسته الأمنية أشبه بثقب الأوزون زادت اتساعا وعمقا ولم يتمكن الجميع من محاولة علاجها والمجلس الأعلى للقوات المسلحة بدا بعيدا مع اتجاه الشرطة للقسوة فى تعاملاتها.. ما هو الحل الأمثل فى رأيكم للقضاء على تلك الفجوة؟ - هذه الفجوة كانت خطيرة صنعها الإعلام الوطنى السلبى خلال تناوله كل ما يتعلق بالشرطة وأسهمت فى ذلك أيضا منظمات حقوق الإنسان التى كانت حديثة العهد بالعمل فى مصر ولم تكن بالنضج الكافى والمؤهل لجعلها أداة مساعدة للمجتمع المدنى وللشرطة فى نفس الوقت، هذا فضلا عن الدراما التليفزيونية والسينمائية التى صورت رجل الشرطة فى أسوأ ما يكون الإنسان مما ترك صورة ذهنية سلبية عنه لدى المواطنين، كل ذلك تسبب فى إحداث ضغوط شديدة على رجال الشرطة وهم فى غالبيتهم شرفاء ويؤدون بأكثر وأكفأ من أقرانهم، فى الوقت الذى كانت قيادات وزارة الداخلية لا تسمح نهائيا بالخطأ بل كانت تبادر بالمحاسبة والتحقيق مع كل من كان يشتبه فى خطئه مما زاد من الضغوط الواقعة على ضابط الشرطة الذى كان فى حالة نفسية سيئة معقدة تجاه المؤسسة التى يعمل فيها، والمجتمع الذى ينتمى إليه وكلاهما لا يرحم إنسانيته مع العلم بأنه يدرك أن احتياجاته هى نفس احتياجات المواطن العادى رغم أن رسالته تحتم عليه العمل والأداء بأكثر وأصعب مما يقدمه الآخرون.. هذا هو ما يجب أن نفهمه ونقدره ونحن بصدد تضييق الفجوة التى طالما فصلت بين المجتمع المدنى والمؤسسة الأمنية، ثم جاءت أحداث 25 يناير 2011 واستغلها البعض فرصة للقضاء على المؤسسة الأمنية لأنها العقبة الكبرى فى سبيل الأطباق على مفاصل الدولة، وزاد الأمر سوء تدمير جهاز أمن الدولة وقد أكدت للمجلس العسكرى فى اجتماع لجنة الأمن فى 15 إبريل 2011 ان فى ذلك خطيئة كبرى سوف تدفع ثمنها غاليا، وهذا ما رأيناه فى السنوات الماضية ثم جاءت الطامة الكبري بالمحاولات المستميتة التى أقدم عليها النظام السابق بقيادة «المعزول مرسي» فى التخلص من معظم القيادات الأولى والثانية الداخلية بحجة تطهيرها فى تقديرى الخطيئة الثالثة فى حق هذه الوزارة الوطنية، ولكن الله سلم بإزاحة هذا النظام الذى سعي لتفتيتها والقضاء على مقدراتها.. والآن أعتقد أن الوزارة بكل أجهزتها تتعافى وتعيد بناء الثقة أولا فى داخلها وقريبا سوف يلحظ المجتمع المدنى أن هناك تغيرا حدث فى كل ما يتعلق بالوزارة، ولكن يجب أن نفهم أن التقدير تراكمى ولا يحدث فجأة خاصة اذا ارتبط بعقيدة أو ثقافة، ونصيحتى أن نصبر فهناك مجهودات كبيرة تبذل بداية من أكاديمية الشرطة برئيسها المحترم الذى جمع بين الخبرة والعلم والانضباط وانتهاء بكل معاهد التدريب بالوزارة، فقط نحتاج إلى إعلام وطنى يسلط الضوء على المجهودات المضيئة ويسهم فى نقل الحقيقة والهدف. في ضوء المصادمات والمعالجات الأمنية.. مصر إلي أين وما هو دور القوات المسلحة ووزارة الداخلية؟ - مصر إلى الخير بمشيئة الله بمزيد من الأمانة والإخلاص والوعى بما يحاك لها فى الخارج، إذا ما تمسكنا بطريق المستقبل الذى بدأناه من 30 يونية 2013 بإنجاز دستور مرض وانتخابات مستحقة رئاسية ثم برلمانية سوف تصل مصر إلى بر الأمان، وخلال سنوات قليلة سنعيد لمصر مكانتها الجيواستراتجية، ولابد من حشد القدرات الوطنية وإعادة رسم استراتيجيات الغد على تدعيم العلاقات العربية والإفريقية بصورة متوازنة ومحترمة لأنها قاعدة للنجاحات ثم إعادة هندسة علاقتنا بالشرق والغرب بما يحقق المصلحة والاحترام المتبادل عن طريق الفهم الصحيح لثقافة الآخرين مع ضرورة توافر رؤية استراتيجية لعلاقتنا الخارجية بأجندة وطنية تحقق مصالحنا أولا وتعرف حدود وخطوط الحركة الصحيحة، وفى نفس الوقت التعامل مع قضايانا الداخلية ليس بأسلوب المسكنات أو الحلول المؤقتة، نحن فى حاجة إلى خارطة للمستقبل يكون محورها وبؤرتها الإنسان والاهتمام بتربيته وتعليمه وصحته وتصميم برامج طويلة الأجل تكون مقترنة بوسائل حمائية نابعة من الذات الوطنية، وفى حاجة أيضا إلى إعادة افتتاح مدرسة صناعة القادة فى كل مؤسسات مصر لتعويض ما تم تجريفه منها خلال العقدين الماضيين.. وفى حاجة إلى رجال من نوعيات فريدة تعطى فى صمت أكثر من بحثها عما ستأخذه. ما تحليلكم لدور العولمة والتواصل الإلكترونى فى تصدير وتمويل الإرهاب؟ - التكنولوجيا بشكل عام نعمة كبيرة ولكننا نحولها إلى نقمة وعلى مستوى الداخل أذكر بأن مصادر ثقافة المجتمع المصرى يمكن حصرها مجازا فى أربعة أشياء، أولها مجمل العلاقات الاجتماعية، وثانيها مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وثالثها منظومة القيم الأخلاقية، ورابعها منظومة التكنولوجيا فى المجتمع، وقطعا جميعها حدث فيها اهتراء وتحلل وانحدار لمنحنياتها العامة إلا منظومة التكنولوجيا فهى المصدر الوحيد من مصادر ثقافة المجتمع المصرى الحديث الذى يرتفع منحناه للصعود ولكن بكل أسف تستخدم التكنولوجيا فى أسوأ استخداماتها، وأيضا تستخدم ضدنا فى أسوأ ما يكون التوظيف، فهى القوة الناعمة التى حذرنا منها فى بحثنا المقدم لمركز البحوث الاجتماعية والجنائية ولمركز بحوث الشرطة فى ديسمبر 2010 تحت عنوان «القوة الناعمة وآثارها فى إعادة هندسة منظومة الأمن القومى المصرى، وقد نبهنا إلى أن الثورة القادمة لن تكون بالقوة العسكرية أو القهر المدنى ولكن بالتكنولوجيا وضربنا مثلا بتسريبات «ويكيلكس» ولكن لم يفهم الأمر أو ربما لم يلتفتوا كالعادة. أخلص إلى أن ضرورة الانتباه إلى أن البيت والمدرسة بكل مقوماتها لم تعد لديهما القدرة على تشكيل ثقافة الأجيال فهناك ما هو أقوى وهى وسائل التكنولوجيا الحديثة، وجدير بالدولة وهى تضع رؤيتها للمستقبل أن تلفت لخطورة وأهمية دمج هذه الوسائل بمقوماتنا التقليدية لضمان أجيال أكثر قدرة من الناحية النفسية والعقلية والجسدية. ما رؤيتكم لقرارات العفو الرئاسية عن المحكوم عليهم فى قضايا الإرهاب فى عهد الرئيس المعزول مرسى.. وحصول كثير من أفراد حماس على الجنسية المصرية وتأثير ذلك على الأمن القومى المصرى؟ - العفو الرئاسى فى حد ذاته مسألة دستورية وقانونية، ولكن هناك شروط ومحددات لإدارة هذا العفو جميعها تعد ضمانة لصيانة هذا الحق وما يترتب عليه، ولكن الرئيس المعزول د. مرسى أساء استعمال هذا الحق وقد أضر المجتمع ضررا بالغا بقررات العفو التى أصدرها ؛ فقد غلب مصلحة جماعته على مصلحة الوطن وهذا فى تقديرى إخفاق أخلاقى أكثر منه خطأ إداريا.. أما موضوع منح الجنسية المصرية لبعض الحمساويين فتلك مصيبة مقصودة لأنها جزء من مخطط كبير لم يلتفت إليه أحد رغم تحذيرنا منه فى الإعلام بكل وسائله فى وجود «مرسى» ونظامه.. لقد كانت هناك خطة لتفكيك وتسليم مصر بموجب عقد اتفاق مع الغرب لحسابه وحساب إسرائيل بدأت بمذبحة رفح الأولى التى صنعتها حماس لحساب الإخوان ورئيسهم للتخلص من آخر العقبات فى طريقهم وبالفعل تم التخلص من المشير طنطاوى والفريق عنان، ثم إعطاء الجنسية لآلاف الفلسطينيين من حماس غزة ثم السماح بالتملك فى المنطقة «ج» لأول مرة وذلك بهدف تسكين الفلسطينيين فى سيناء ثم بدأت الحرب التمثيلية التى شنتها إسرائيل على غزة بهدف الضغط على غزة لاحتلال الأراضى الواقعة جنوبغزة شمال سيناء وحدثت أمور كثيرة تسيء لوطنية «مرسى» وصحبه لا مجال لسردها الآن.. فالمهم أن نعى أن موضوع منح الجنسية جزء من استحقاقات خارطة تسليم جزء من مصر للفلسطينيين مقابل إقامة الدولة اليهودية، وإلحاقا بما كان يزمع تنفيذه من تسليم حلايب وشلاتين للأشقاء فى النظام الإخوانى السودانى وأشياء أخرى مشينة تصب جميعها فى غير الحفاظ على الأمن القومى بل التفريط فيه. أيهما الأفضل «السيسى» فى المرحلة القادمة للمؤسسة العسكرية أم رئاسة مصر؟ - الفريق السيسى هبة الله لمصر، فى الزمن الصعب الذى نعيشه الآن وسواء ظل فى قيادة القوات المسلحة أو قيادة مصر فله دين كبير ولقواتنا المسلحة فى رقابنا، وأعتقد أن الأمر بموضوعية لا يجب أن يحسم حاليا فتقدير الموقف لم يكتمل للآن ومازال على اتخاذ القرار ويجب أن نحترم قرار الرجل وحتى توقيته وكما قال هو الله غالب على أمره. هل تعتقدون أن الدستور الجديد يلبى تطلعات الشعب المصرى؟ الدستور عموما لا يمكن أن يلبى آمال وطموحات ومصالح كل الشعب، فالناس مازالت مختلفة حتى على الرب الواحد وعلى الأنبياء، ومنذ أيام تم التصويت على المسودة الأخيرة للدستور فى معظمها جيدة وهناك مآخذ وإن كانت مسألة نسبية الأهم أن يمرر هذا الدستور ونتبع ذلك باستكمال خطوات خارطة المستقبل بأى ثمن لأن البديل مظلم وغير مضمون وقد يصل بنا إلى الثورة الأخيرة والتى ستكون تكلفتها كبيرة جدا من الدم والاقتصاد والمستقبل فالذين يدعون استحقاقات على مصر زيفا وبهتانا وطمعا زاد عددهم فى الداخل والخارج وهو أمر خطير للغاية.. كيف ترى مستقبل مصر برؤية استراتيجية؟ - مصر فى يقين أى مؤمن بوعد المولى عز وجل ودعوة عيسى عليه السلام وقرآننا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم محفوظة وستبقى هكذا فى رباط وخير إلى يوم الدين، وهذه هى خلاصة الرؤية الاستراتيجية الحقيقية أما تفصيلها وكيف نصل إليها فمطلوب قادة رجال لديهم إمكانيات غير عادية وهم موجودون بالفعل يقدمون بوضوح خططا استراتيجية خاصة فى مجال الأسرة والتعليم الأساسى والصحة لضمان إفراز جيل قوى نتمكن به من تأسيس دولة حديثة قوية نحن جديرون بها.