يقول ابن عطاء الله السكندري: ما قادك شيء مثل الوهم. نعيش في بلدنا مصر هذه الأيام أزمات متعددة في كل النواحي ولكن أود أن أقف أمام أزمة خطيرة جدا ولعلها الأكبر في مصر الآن ألا وهي أزمة مؤيدي الشرعية هؤلاء الذين ذهبوا في تأييدهم لشرعية الرئيس مرسي مذهبا وصل إلى حد تقديسهم لتلك الشرعية التي زالت واقعا وشرعا: أما واقعا فلأن صاحبها لم يعد يملك من أمر نفسه شيئا فضلا عن أن يملك تصريف أمور البلاد وتسيير شؤون العباد، وأما شرعا فلأننا تعلمنا في الشرع أنه إذا اجتمع أهل الحل والعقد لعزل ولي الأمر وتولية غيره انعزل وانعقدت الولاية لمن ولوه وهذا ما تم في 3 يوليو في مصر، كما تعلمنا أن من تغلب على ولاية الأمر بقوته وسطوته وانتزع ولاية الأمر من حاكم شرعي ولكنه أضعف منه بدليل أنه لم يستطع أن يحافظ على سلطته فإنه لا داعي لمنازعته لأن ذلك سيجرنا إلى فتنة تأكل الأخضر واليابس وهذا الرأي يجب على من يقولوا إن ما حدث في 3 يوليو هو انقلاب أن يلتزموا به. إلا أننا إذا تأملنا عقليات وحللنا نفسيات من يقدسون هذه الشرعية الزائلة الميتة لنصل إلى السبب وراء هذا التقديس سنجد أن هناك وهم في عقولهم وهاجس في نفوسهم يسمى المدينة الفاضلة التي يعيش الناس فيها في سلام وأمان وعفة وطهر ونقاء وتنسك وتعبد وسيحقق الإسلام في هذه المدينة لكل إنسان ما يحلم به ويعطيه كل ما يشتهي ويمنحه كل ما يتمنى وأن هذا الإسلام يحمله ويحمل معه أركان ومقومات المدينة الفاضلة الجماعات الإسلامية من إخوان وسلفية وجماعة اسلامية وغيرها، وأنه بزوال هذه الجماعات قد ضاع حلم المدينة الفاضلة وبزوال كوادر هذه الجماعات وذهاب أطابها وقادتها قد ذهب الأبرار والأطهار والأخيار في هذا العالم ولم يبق في الكون إلا الأشرار المدنسون. هذا اجتهاد شخصي في توصيف حالة هؤلاء الشباب المتحمسين للشرعية هذا التحمس الذي قلما تراه في تاريخ البشرية. ولكن دورنا هنا أن نقول لهم رويدا أيها الشباب المتحمس فليس هناك أولا شيء في الدنيا اسمه المدينة الفاضلة التي لا تعرف إلا الطهر والصفاء والنقاء والجمال والحب والصدق... لأن الله خلق الكون وجعل من مكوناته الخير والشر والحق والباطل والكفر والإيمان والعدل والظلم وعلى هذا فطر الله دنيا الناس: طبعت على كدر وأنت ترومها ***صفوا من الاقذار والاكدار ومكلف الأيام ضد طباعها ***متطلب في الماء جذوة نار وثانيا والأهم أنه ليس هناك أشخاص مقدسون أو معصومون سوى الأنبياء فكل يؤخذ منه ويرد سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وأخيرا فإن مكمن الداء لدى معظم هؤلاء الناس المقدسين للشرعية هو أنهم قدسوا الأشخاص وظنوا أن ما وعدوهم به –مستغلين عواطفهم وحبهم للإسلام تارة وشوقهم للنعيم والتخلص من مصاعب الحياة أخرى- من أنهم سيحققون لهم حلم المدينة الفاضلة وأنه لا يملك تحقيق ذلك أحد غيرهم وقادوهم بهذا الوهم وهو الوعد بدولة أركانها الدالة والمساواة والمحبة والصدق إلى آخر ذلك من كل أنواع الفضائل الجميلة ولن يكون في هذه الدولة شيء من الشر أو الأذي، ولذا فهم يستميتون من أجل الدفاع عن حلمهم الوردي الذي زُيٍّن لهم. فلله در ابن عطاء الله السكندري عندما قال: ما قادك شيء مثل الوهم. والله الموفق. إمام وخطيب مسجد السيدة زينب رضي الله عنها.