- مناقصة تصدير الأرز استهدفت تحقيق العدالة للفلاح وتصريف 800 ألف طن فائض الإنتاج - قوانين العهد الملكى مازالت حاكمة للأسواق.. ولابد من ثورة تشريعية للنهوض بالصناعة - لن يضار أحد من تعديلات برنامج المساندة التصديرية والتحقيقات جارية فى شكوى الحديد - عدد المصانع المتعثرة بلغ 895 مصنعا وتوصلنا لاتفاقات تسوية للكثير منها - 50 ألف عامل فى شركات تركيا بمصر.. وفصل السياسة عن الاقتصاد ضرورة فى بعض الأحيان لاحظ الناس أن وارين بوفيت أغنى رجل فى العالم لا يتحدث كثيرا. سألوه فى دهشة: لم لا تتحدث كثيرا؟ فأجاب الرجل: إن صمتى لا يعنى جهلى بما يدور حولى، لكن ما يدور حولى لا يستحق الكلام. وبهذا المنطق ظل منير فخرى عبد النور وزير الصناعة والتجارة الخارجية صامتا تجاه سيل من الاتهامات والتشنيعات والدعاية السوداء التى لاحقته منذ خطت قدماه فى طريق السياسة، وكأن قدره أن يكون دائما متهما، وأن مهمته أن يبقى دائما يرد ويدافع ويصحح الأكاذيب. وإذا كان الاديب الجميل عبد الرحمن الخميسى يقول: «عشت أدافع عن قيثارتى ولا أعزف ألحانى» لكن منير يثابر كى يدافع عن قيثارته ويعزف ألحانه. وألحان الرجل فكر ورؤية وهمة وجهد وادارة وتوازن وقبول للتحدى واصرار على تحقيق أفضل النتائج فى أقل فترة ممكنة. فى وزارة السياحة، وبعد خروجه منها بشهور قليلة قرر النظام الإخوانى معاقبته على مواقفه السياسية المضادة للفاشية بتحريض أحد المحامين بتقديم بلاغ إلى النائب العام ضده يتهمه بتخصيص شاليهات لرموز نظام مبارك رغم أنه لم يكن فى السلطة وقتها، وصدر قرار بمنعه من السفر والتحقيق معه فى قضية لم يعرف عنها شيئا، وهو ما أزعجنا بشدة، واتصلنا به فقال لنا وهو يضحك: «مجرد زغزغة بسيطة». فى الصناعة كان الوضع أخطر. اقتصاد كسيح يجرجر خسائر جسيمة خلفتها ثورة بعد ثورة، ومصانع تئن من ثقل الأعباء والبيروقراطية وأخرى أغلقت أبوابها وسرّحت عمالها. مصالح متضاربة بين الصناع والتجار، وبين المصدرين والمستوردين، وبين منتجى الخامات ومستخدميها. مخزون راكد من كثير من السلع، ومافيا التهريب تعمل فى وضح النهار تحت صمت الاجهزة الرقابية وفوضى اختلال الاستقرار. ظروف كانت الأسوأ، والأصعب، والأخطر. وقبل الرجل المسئولية فى وقت كان يتهرب البعض ويعتذر البعض الآخر. فى الطريق إلى وزارة الصناعة بجاردن سيتى كان معنا أحد اعداد جريدة «الأهرام» وهى تتهم وزارة الصناعة والتجارة الخارجية بالفساد لأنها قررت فتح باب تصدير الأرز فى مناقصة محدودة. اختارت مافيا المصالح أحد أنزه وأشرف الساسة لتصمه بالفساد. تصوروا أن يتهم الرجل بكلام مرسل بأنه أصدر قرارا لمجاملة أحد المصدرين غير المصريين! بهذه الواقعة حملنا أوراقنا وذهبنا إلى منير فخرى عبد النور رجل الصناعة الوطنى الذى صار وزيرا للصناعة والتجارة الخارجية بعد ثورة 30 يونية. تحاورنا معه بعمق وصراحة ومنطق حول ملابسات قرار تصدير الأرز، وموقفه من الاساءة المتعمدة، ورؤيته للاقتصاد المصرى، وتصوراته عن مستقبل الصناعة، وأهم الملفات الملحة التى تركز عليها الحكومة. سألناه: فى البداية لماذا صدر قرار بالسماح بتصدير الأرز؟ وهل هناك احتكار فى تصدير الأرز؟ ولماذا اعترضت وزارة التموين على القرار؟ وما هو رأيك فيما نشر بالاهرام من وجود شبهة مجاملة لأحد المصدرين وراء القرار؟ (منحنا الوزير ابتسامة ثقة معتادة قبل أن يجيب) قبل استعراض تفاصيل القرار يجب أن نعرف جيداً أن انتاج العام الحالى من الأرز لن يقل عن 4 ملايين طن طبقا لبيانات الحكومة، واذا كانت تقديرات الاستهلاك المحلى تشير إلى أننا نستهلك ما بين 3.5 و3.7 مليون طن سنويا، فإن ذلك يعنى أن هناك فائضاً فى انتاج العام الحالى. فضلا عن ذلك هناك فائض من الموسم الماضى قدره نصف مليون طن ويعنى كل ذلك أن اجمالى الفائض يبلغ فى حدود 800 ألف طن على أقل تقدير. ولاشك أن الخاسر الأول من وجود فائض غير مستغل هو الفلاح المصرى الذى كان يُفرض عليه سعر 1700 جنيه لطن أرز الشعير، بينما حددت الدولة سعر الشراء ب 2050 جنيها للطن. وهنا فقد كان الفلاحون وهم فئة مهمة فى المجتمع يضطرون إلى بيع الأرز بخسائر لوجود معروض كبير فى الأسواق. وكان المنطقى أن تتدخل الدولة تحقيقا لمبدأ العدالة الاجتماعية وتسمح بتصدير الفائض حتى لا يضطر الفلاح للبيع بسعر أقل من السعر المحدد من جانب الحكومة، لذا فقد أعلنّت الوزارة عن مناقصة لتصدير 100 ألف طن فقط وفق شروط وضوابط محددة. وبالفعل ارتفع سعر بيع الأرز لدى الفلاح، فضلا عن ذلك ستحقق الدولة عائدا جيدا عن طريق تحصيل رسم الصادر على ال 100 ألف طن المتاح تصديرها من خلال المناقصة، بالاضافة إلى عدم تأثير ذلك على أسعار أو توريدات هيئة السلع التموينية من الأرز التموينى، لأن المنطقى أن الدولة هى التى تُدعم الفلاح وليس العكس. إن حجم التوريدات من الأرز التموينى لن تتأثر لان الفائض أكبر، لكن سعر الشراء المُعلن من جانب الدولة هو المطبق كى لا يحدث غُبن للمزارعين. أما الحديث عن وجود احتكار فى تصدير الأرز فحديث غير صحيح بالمرة، خاصة إذا علمنا ان هناك 350 شركة لديها رخص لتصدير الأرز، وأن ضوابط المناقصة تمنع استحواذ اى شركة على كمية يتم تصديرها تزيد على 5 آلاف طن. ولقد قيل وكُتب أن القرار صدر لصالح مُصدر وحيد، ومن يقرأ شروط وضوابط المناقصة يعلم تماما أن ذلك مستحيل. ولقد اعتدت ألا أتأثر بمثل هذه الادعاءات أو أتراجع عن ما أتصور أنه يخدم الاقتصاد الوطنى. وبالنسبة لما نشرته «الأهرام» فى عددها الصادر الأربعاء 13 نوفمبر فقد بعثت برد تفصيلى لم يُنشر وقامت الوزارة بتقديم بلاغ إلى النائب العام يتهم الجريدة بالسب والقذف والاساءة المتعمدة. ورغم كل ذلك، فإننى أرى أن علينا أن نعمل ونقدم كل ما يمكن أن يصب فى صالح الاقتصاد المصرى دون أى اعتبارات لتلك المواقف المؤسفة. سؤال: هل يعنى ذلك أن أوضاع الاقتصاد المصرية تحسنت منذ 30 يونية؟ وإلى أى مدى يقودنا مستقبل الاقتصاد المصرى؟ الاقتصاد المصرى تحسن أفضل من التوقعات الصادرة عن اقتصاديين ومؤسسات دولية ويكفى أن نشير إلى نجاح الحكومة فى ضبط ميزان المدفوعات وزيادة الاحتياطى الاجنبى، وضخ حزمة من الاستثمارات تصل إلى 29 مليار جنيه فى الاقتصاد. فضلا عن التحسن فى التصنيف الائتمانى لديون مصر، وقد لمسنا اهتماما من البنك الدولى بالتحسن الذى شهده الاقتصاد المصرى، وأتصور أن الشهور القادمة ستشهد تحسناً حقيقياً وكبيراً يشعر به المواطن العادى. (اعتدل الوزير قليلا كأنه يتذكر شيئا هاما وأضاف:) إن هناك مشروعات كبيرة لمؤسسات عملاقة دخلت مصر مؤخرا وهو دليل على ثقة المستثمرين العالميين فى الاقتصاد المصرى، ربما أبرز الامثلة التى نراها ذلك المجمع العملاق للبتروكيماويات الذى تنفذه شركات أمريكية وعربية ومصرية وتزيد استثماراته على 500 مليون دولار. وهناك مشروعات توسعية أخرى لشركات مستثمرة بالفعل، وأعتقد أن الفترة القادمة ستشهد طفرات غير مسبوقة، خاصة وأن خطة خارطة الطريق تسير فى مسارها الطبيعى. سؤال: لكن اسمح لنا يا سيادة الوزير، فإن المواطن البسيط لم يشعر بعد بذلك التحسن، ومازال كثير من المستثمرين الصناعيين يشكون كل يوم؟ يجب علينا أن نعترف أن الحكومة تواجه حربا اعلامية منظمة من جانب النظام السابق، ومازالت قدرات الحكومة على التواصل محدودة. كما أننا نتعامل فى مناخ ثقافى مغاير لما كان سائدا فى مصر، والتأقلم مع هذا المناخ يحتاج الكثير من الوقت. أما بالنسبة للمستثمرين الصناعيين، فإننا لا نتوقف عن تلقى شكاواهم ودراستها واتخاذ القرار الذى يحقق صالح الاقتصاد ومتابعة تنفيذه. وأعتقد أن أمامنا الكثير لنفعله فى هذا الشأن. إننا لاشك فى حاجة إلى ثورة تشريعية فى مصر وتعديل للقوانين المنظمة للمنظومة الاقتصادية التى تقف عائقاً أمام المنتجين، ولك ان تتصور أن هناك قوانين منذ عهد الملكية مازالت تعمل حتى الآن ويجب العمل على تغييرها لإحداث حركة قوية داخل السوق المصرى والتيسير على المستثمرين، وبلاشك فإنه من المهم إحياء مبادرة إرادة والتى بدأت منذ عام 2006 وتستهدف تغيير وتطوير عدد من القوانين واللوائح والتشريعات الاقتصادية. سؤال: هناك قلق لدى بعض المصدرين تجاه التعديلات المقترحة لبرنامج المساندة التصديرية. لماذا يتم تغيير البرنامج وهل ستنخفض ميزانيته؟ لا أعتقد أن أحداً سيضار من اعادة مراجعة بنود المساندة التصديرية وتوجيه جانب أكبر لموضوعات بعينها مثل استخدام تكنولوجيا أحدث أو تحقيق قيمة مضافة اكبر أو استهداف اسواق جديدة، وتحفيز الانتاج فى مناطق بعينها. وما استطيع أن اقوله أن مجمل المساندة لن تتقلص وإنما سيعاد توجيه بعض البنود بهدف تحقيق فائدة أكبر للصناعة والتصدير على السواء. سؤال: يرى البعض أن توتر العلاقات المصرية التركية يجب أن يكون له انعكاس على العلاقات الاقتصادية، خاصة ان هناك تصرفات لبعض الساسة الاتراك تجاه مصر لا تحتمل، لكنك ترفض تماما أى خلط للعلاقات السياسية بالتجارية. هل مازلت عند رأيك؟ نعم. حتى لو وصل الامر إلى طرد السفير التركى من مصر. انا أنظر إلى ثلاثة امور الأول أن استثمارات الأتراك فى مصر 2.1 مليار دولار، والثانى أن عدد العمالة المصرية فى تلك الاستثمارات يبلغ 51 ألف عامل، والثالث أن هناك تجارة مشتركة بين البلدين يستفيد منها مصريون سواء بالاستيراد أو التصدير تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار سنويا. كذلك فإن هناك خطاً ملاحياً يربط ميناء ميسين بميناء دمياط ويتم من خلاله نقل صادرات تركيا إلى مصر ودول الخليج وهو ما يحقق عائدات لكلا البلدين. ولاشك أن فصل العلاقات الاقتصادين والتجارية من جانب عن العلاقات السياسية أمر مطلوب، خاصة فى ظل تغير السياسات وتبدلها كل يوم. إننى ارى ضرورة أن نحتاط ونتخذ أى قرار بعد دراسة وافية لمصالحنا. سؤال: وهل لهذا السبب تم إلغاء رسوم الحماية على الحديد المستورد خاصة وأن الاتراك شكوا منه؟ لا علاقة بين ذلك والعلاقة مع تركيا. إن أى اجراء بفرض رسوم اغراق أو حماية يتم وفقا لتحقيقات واضحة، وقد انتهت فترة سريان قرار رسم الحماية على الحديد. وبعد فترة قدمت شكوى رسمية جديدة وجار التحقيق فيها، ولو ثبت وجود اخلال بقواعد منظمة التجارة العالمية ستتخذ مصر كافة الاجراءات القانونية المنصوص عليها. سؤال: مازالت مشكلة عدم توافر الاراضى الصناعية أحد اخطر وأهم المشكلات التى تواجه الاستثمار الصناعى فى مصر. كيف ترى امكانية حل تلك المشكلة؟ أعتقد أن تسعير الأراضى يجب أن يكون جاذبا للإنتاج ولا يشكل عبئا أمام المستثمر وأتصور أن الأراضى المخصصة للصناعة لها طبيعة خاصة عن غيرها من الأراضى لأن النشاط الصناعى يحقق قيمة مضافة ويوفر فرص عمل ويصب مباشرة فى مصلحة الاقتصاد القومى. وفى رأيى أن النظرة يجب أن تكون أشمل من ذلك كثيرا. إننا لا يجب أن ننظر إلى الاراضى الصناعية كمصدر من مصادر إيرادات الدولة وإنما هى جزء مهم وأساسى من عناصر الإنتاج ولابد من توفير هذه الأراضى بأسعار مناسبة. سؤال: قضية التعثر فى القطاع الصناعى مازالت قضية مبهمة، حيث لا توجد بيانات دقيقة حولها. وما هى السبل التى اعتمدتها الوزارة للتعامل مع هذا الملف؟ أعتقد أنه يمكن حل مشاكل التمويل التي تواجه القطاع الصناعي حاليا بالتعاون مع البنك المركزي والجهاز المصرفي لتوفير السيولة المالية اللازمة للمشروعات الصناعية الجديدة والمنشآت الصناعية المتعثرة، وقد تدخلنا بالفعل فى مشكلات بعض الشركات الصناعية ونجحنا فى التوصل إلى اتفاقات لتسوية كثير منها. وقمنا من خلال مركز تحديث الصناعة بعمل استطلاع حول التعثر كانت نتيجته أن المصانع المتعثرة التي تقدمت بلغ عددها 895 مصنعاً واتضح أن 87% منها متوقف لأسباب مالية. وكانت الحكومة قد قامت بتخصيص 500 مليون جنيه لمساندة هذه المصانع ومساعدتها لإعادة تشغيلها مرة اخري، وأعتقد أن المصانع المتعثرة ليست بالضرورة ستعود كلها للعمل وانما تتم دراسة حالات كل مصنع واحتياجاته ووفقا لدرسات الجدوي الاقتصادية والفنية ستتم إعادة تعويمها وتشغيل المصانع التى لديها قدرات ورغبات حقيقة فى استئناف النشاط. سؤال: كان كثير من أنصار النظام السابق يراهنون على تدهور الاوضاع الاقتصادية لمصر كطريق لعودة حكم جماعة الاخوان إلى الحكم.. ما مدى صحة هذا الرهان؟ هذا رهان خاسر تماما .وعلى الرغم من الاحداث التى مرت بها مصر خلال العامين الماضيين إلا أن القطاع الصناعى العام والخاص استمر فى العمل وقام بتوفير احتياجات مصر من مختلف المنتجات كما حققت الصادرات المصرية زيادة ملحوظة إلى عدد من الاسواق العالمية. سؤال: بمناسبة النظام السابق، يراهن البعض على عودة الاخوان إلى حكم مصر، كيف ترى كسياسى ذلك؟ أعتقد أن تلك سذاجة بالغة. إن الرئيس السابق محمد مرسى نفسه لم يعد يحلم بذلك، وبعد 30 يونية أيقن الاخوان أن سيطرتهم على الشارع انتهت وأن الناس تعلمت الدرس جيدا.