يعد القضاة في إيطاليا من أكثر المهن خطورة نظرا لعداء عصابات المافايا المستمرة لهم، وتعهدهم الدائم بالانتقام منهم قبل أي محاكمة تستهدف أعضائها، حتى أنه تعرض العديد من القضاة إلى القتل وكان أشهرهم القاضي "جيوفاني فالكوني" الذي عرُف باسم "بعبُع المافيا المخيف." ويخرج الآلاف من الإيطاليين يوم ال23 من شهر مايو كل عام منذ عام 1992 للاحتفال باغتيال القاضي "فالكوني" الذي عرُف حينها بمناهضته لعصابات المافيا. حيث تم تفجير قنبلة في الطريق السريع قرب مدينة "كابيتشي" في جزيرة صقلية أودت بحياة "فالكوني" وزوجته وثلاثة من حراسه. وكان "فالكوني" على قائمة المافيا منذ الثمانينيات عندما كان يحقق في منظمات الجريمة المالية وعلاقة السياسيين بها، وعندما كان في العام 1987 قاضي تحقيق المحكمة التي أدخلت حوالي 400 من رجال المافيا إلى السجن. الجدير بالذكر أن نشاطات "فالكوني" جعلته حبيس مكتبه ولأكثر من 10 سنوات كان يعمل في قبو مضاد للقاذفات تحت بناية المحكمة ويجلس إلى منضدة مليئة بأجهزة المراقبة لمن يقترب من مكتبه وإذا ما غامر بالخروج يرافقه موكب من سيارات الشرطة المصفحة. وقد كتب يقول: "لست روبن هود، ولا أنا انتحاري.. أنا خادم للدولة في منطقة معادية" وكان يؤمن بأن الواجب هو القانون الأعلى. وجرت تسمية المطار بإسمه وإسم صديق حياته "بورسيلينو" وهو قاض أيضا حارب المافيا معه وقتل بعده ببضعة أشهر، وأقيم نصب تخليدا لذكراهما. ولكن لم يكن "فالكوني" هو القاضي الوحيد الذي تعرض للخطر وتلقى العديد من التهديدات من جانب عصابات المافيا، حيث كان كل قاضٍ يعمل على قضية تخص هذه العصابات الإجرامية داخل دائرة الخطر. واتضح ذلك جليا في أكتوبر 2010 عندما عجزت قوات الامن العادية على تأمين القضاة مما أضطرها السلطات في مدينة "كالابريا" جنوبإيطاليا أن تطلب من الجيش المساعدة في حماية القضاة الذين تلقوا تهديدات بالقتل لنظرهم قضايا المافيا. وتلقى قضاة تحقيق في المدينة التي تنشط بها عصابة الجريمة المنظمة "ندرانجيتا" تهديدات في اتصالات هاتفية بعد انفجار قنبلة لم يصب فيها أحد في أغسطس. كما عثُر على أسلحة من بينها قذيفة "بازوكا" قرب مكاتبهم تركت هناك على سبيل التحذير. هذا بالإضافة إلى رسالة عثُر عليها خارج مكتب المدعي المحلي "جيسيبي بيجناتوني"، الذي عمل مع قضاة التحقيق في ميلانو في الاعتقال الجماعي لمئات الاشخاص المشتبه في انتمائهم لعصابة "نرانجيتا" في يوليو، مكتوب بها: "هذا بازوكا ونقدمه لبيجنانتوني..ويمكننا أن نضربه متى شئنا." كانت نفس المافيا قد قامت بعدة عمليات بقصد إرهاب رجال القضاء حيث فجرت قنبلة أمام البناية التى يقطنها النائب العام بالإقليم كما قامت بتفجير قنبلة أخرى ليلا أمام مبني المحكمة بداية العام الحالي باستخدام أسطوانة غاز تزن 10 كجم وبارود وجهاز تفجير مما ألحق أضرارا بالمبنى دون وقوع إصابات. وحسب الخبراء الأمنيون فإن هذه العمليات تأتى فى إطار إرهاب رجال القضاء ولم يستبعدوا أيضا دافع الإنتقام وراءها. وفي النهاية، بدا واضحا ما اتخذته السلطات من أجل الحد من تلك التهديدات المبالغ بها والمتكررة بشكل كبير في مثل هذه القضايا التي تهم ليس فقط الرأي العام في الدولة، بل أنها تشغل بال العالم كله، وشاهدنا ماقامت به السلطات الإيطالية من تدابير في مواجهة تلك التهديدات بتخصيصها مباني معينة مضادة للصواريخ والأسلحة لحماية القضاة، حتى أنها أضطرت في بعض الاوقات إلى مطالبة الجيش بالتدخل لملاحقة مثيري الشغب والدافعين لمثل هذه التهديدات البغيضة التي تهدف إلى تضليل العدالة.