في هذا المكان تشعر وكأنك داخل مصنع لقطع الغيار البشرية، فمن الطبيعي أن تشاهد ساقا بلاستيكية.. أو رقبة من الجلد.. أو ذراعا بخمسة أصابع، في انتظار أصحابهم لاستلامها ومواصلة مسيرة الحياة عبر هذه الوسائل التكميلية التي تلمس فيها روعة قدرة الخالق جل وعلا في إنزال اللطف مع القضاء، حتى لا يستسلم المعاق لمرض أوعاهة ولكي ينطبق عليه وصف "متحدي الإعاقة". وداخل ورشته البسيطة التي تتناثر فيها "الرقاب والأذرع والأرجل" يحاول الدكتور حسن، أخصائي التأهيل والعلاج الطبيعي، قهر مرض شلل الأطفال اللعين ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة عبر تصنيع الأطراف الصناعية للذين اختبرتهم الأقدار بنقص في الحركة. ولكي تتم مساعدة أصحاب الإرادة على تعويض النقص، سواء كانت ساق مصابة بالشلل أو أخرى مبتورة أو ذراع مقطوع، تنشط صناعة غاية في الأهمية كل ما يشغل القائمين عليها البحث عن وسائل تعين ذا الحاجة على تعويض ما يفتقده، وهنا تكون المنفعة متبادلة، فمن ناحية يقوم الصناع بابتكار وسائل تعويض المعاقين ومن ناحية أخرى تدور عجلة الصناعة فتعود بالنفع على أصحابها. في قلب الشيخ ريحان فهناك، وبالتحديد في شارع الشيخ ريحان بحي عابدين العتيق في قلب القاهرة، تنتشر ورش تركيب الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية، تلك الصناعة التي يحارب أصحابها من أجل البقاء في مواجهة التقنيات الحديثة في مجال صناعة الأطراف والأجهزة . وعلى الترابيزة الخشبية يقف د. حسن ممسكا بيديه أدوات تصنيع تلك الأجهزة التعويضية بعد عمل "الشاسيه" الرئيسي في المصنع، ليقوم هو ونجله سامح بتقديم الجهاز في صورته النهائية لذوي الاحتياجات الخاصة وضبطه حسب المقاس وتعويض قصر القدم أو تركيب طرف صناعي بالكامل للمبتورين، بينما يتولى "عم محمد" كسوة الأجهزة وخياطتها يدويا بصورة متقنة تنافس أحدث ماكينات الخياطة. الطريف في هذه الحلقة الصناعية أن أغلب إن لم يكن جميع من يعمل بها من أصحاب "المؤهلات"، والمقصود بهم ضحايا مرض شلل الأطفال اللعين أو ممن فقدوا أحد الأطراف، ربما من باب "لا يحس بحاجة المريض إلا من هو على شاكلته". والمعروف أن مصر من أكثر الدول التي لديها "معاقون" حيث يبلغ عددهم نحو 6 ملايين "مؤهل" وذلك رغم حرص الهيئات الصحية على مكافحة مرض شلل الأطفال عبر التطعيمات الدورية والحملات الاستثنائية. ورغم ما تقدمه الدولة من تسهيلات كثيرة لهؤلاء المعاقين من بينها إعفاءات جمركية لاستيراد سيارات مجهزة وتصاريح مجانية لركوب بعض المواصلات، إلا أن هذه الفئة مازالت تحتاج لمزيد من الرعاية الاجتماعية والصحية من جانب المسئولين الذين لا ينظرون في كثير من الأحوال بعين الاعتبار للمعاقين. وخير دليل على هذا عدم وجود وزارة أو هيئة محددة لخدمة هذه الطائفة من البشر رغم أن تعدادهم يقترب من 10% من جملة تعداد السكان أي نحو 7 ملايين، هذا بخلاف معاملتهم في كثير من الأحوال على أنهم مواطنون عاجزون عن القيام بدورهم، ولعل هذا أكثر ما يصيب المعاق بالإحباط ربما أكثر من مرضه ذاته.