عندما يتمنع الفريق عبدالفتاح السيسي عن ترشيح نفسه رئيساً لحكم مصر.. هل هو هنا يرتكب نفس الخطأ الذي وقع فيه الزعيم المصري الشعبي عمر مكرم برفضه أن يصبح حاكما لمصر، أي واليا عليها.. وفضّل هو وباقي زعماء الشعب أن يختاروا الضابط التركي محمد علي باشا واليا لمصر.. أقول ذلك رغم أن اختيارهم لمحمد علي كان بداية لعصر جديد ونهضة جديدة لمصر نفسها. وهل يعرف الفريق أول السيسي أن محمد علي «كافأ» الزعيم المصري الشعبي الذي اختاره حاكماً لمصر وألبسه ومعه شيخ الأزهر الشيخ عبدالله الشرقاوي خلعة الحكم يوم الاثنين 13 مايو 1805.. أقول كافأ محمد علي السيد عمر مكرم ونفاه إلي دمياط يوم 9 أغسطس 1809 فعاش فيها نحو أربع سنوات ثم نفاه من دمياط إلي طنطا التي بقي فيها ضيفاً حتي ديسمبر 1818 عندما طلب عمر مكرم أن يؤدي فريضة الحج.. وهكذا عاش الزعيم الشعبي في المنفي حوالي 10 سنوات. وفي ذلك يتساوي محمد علي مع حكام مصر خلال الاحتلال الفرنسي لها.. اذ نفاه هؤلاء الحكام الفرنسيون مرتين.. تماما كما نفاه محمد علي نفسه مرتين!! ولقد كوفئ عمر مكرم بنفي محمد علي له.. اذ كان يراه منافسه الأول في زعامة مصر.. نتذكر ذلك لأن عمر مكرم رفض أن يصبح حاكماً - أي واليا - علي مصر، وفضل أن يقدم محمد علي ليصبح هو حاكم البلاد، ونتذكر أيضاً ما قاله ولا يزال يقوله د.محمد مرسي من أنه الرئيس الشرعي للبلاد.. اذ جاء بإرادة الصندوق.. وسبحان الله.. يكاد هذا الكلام نفسه يطابق ما حدث مع الوالي العثماني احمد خورشيد باشا، اذ قال بعد أن أبلغه زعماء الشعب: الزعيم الشعبي والسياسي عمر مكرم، والزعيم الديني المرموق الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر.. وكبير تجار مصر - أي شاه بندر التجار السيد أحمد المحروقي عندما أبلغوه بقرار الأمة وإجماعها علي عزله، وهو القرار الذي اتخذه الزعماء في اجتماعهم الشهير بصفتهم وكلاء الشعب ونقباء الصناع بدار المحكمة في بيت القاضي.. بقرار عزله عن الولاية أي الحكم.. فقال لهم خورشيد باشا «أنا مولي من طرف السلطان.. فلا أعزل بأمر من الفلاحين.. ولا أنزل من القلعة إلا بأمر من السلطنة».. ورفض الوالي خورشيد الإذعان لمطالب وكلاء الشعب.. وكبر عليه أن يصدر منهم أمر أو نهي.. وأنكر عليهم هذا الحق بأسلوب يدل علي مبلغ ما كان يشعر به الحكام من الازدراء بإدارة الشعب.. ولم يسكت وكلاء الأمة.. وهنا يكتب الشيخ محمد المهدي سكرتير الديوان الفرنسي محضر قرار زعماء الأمة بعزل الوالي أحمد خورشيد.. وكتب في مقدمة المحضر عبارة «إن للشعوب طبقاً لما جري به العرف قديماً ولما تقضي به أحكام الشريعة الإسلامية الحق في أن يقيموا الولاة ولهم أن يعزلوهم اذا انحرفوا عن سنن العدل وساروا بالظلم لأن الحكام الظالمين خارجون علي الشريعة»، ولما رفض خورشيد.. انطلق الشعب مع زعامته يجمعون السلاح ويتطوعون استعداداً للقتال، وأقاموا المتاريس والاستحكامات بالقرب من القلعة «مقر الحكم».. ونشبت المعارك، واستمر القتال إلي أوائل يوليو 1805 إلي أن خضع السلطان العثماني في الاستانة لقرار زعماء المصريين وأرسل فرماناً بعزل خورشيد وتعيين محمد علي واليا، أي حاكماً لمصر، واستسلم خورشيد يوم الاثنين 5 اغسطس ونزل من القلعة.. ورحل عن مصر!! وهكذا فازت الثورة.. واستقر الحكم علي من اختاره نواب الشعب والياً، ولكن الأخطر من ذلك كان هو اشتراط وكلاء الشعب لولي الأمر بل كان مقروناً باشتراطهم أن يرجع إليهم في شئون الدولة.. فوضعوا بذلك قاعدة الحكم الدستوري في البلاد.. وهنا يقول الجبرتي «تم الأمر بعد هذه المعاهدة - أي العريضة - والمعاقدة علي سيره بالعدل وإقامة الاحكام والشرائع والاقلاع عن المظالم.. وألا يفعل أمراً إلا بمشورة الشعب ومشورة العلماء.. وأنه متي خالف الشروط.. عزلوه»! ونعود إلي سؤالنا: هل يكرر السيسي خطأ عمر مكرم - الزعيم الحقيقي - ويرفض حكم مصر.. ويهدي هذا الحكم لسواه، حتي لو كان هو محمد علي الذي لم تكن البلاد قد اكتشفت قدراته بعد.. فكان مصير السيسي، أقصد عمر مكرم هو النفي والعزل وعاش منفياً عن القاهرة.. لقد طلب السيسي تفويضاً.. ومنحه الشعب هذا التفويض.. تكلم الشعب.. فهل يصر السيسي علي الرفض ولا يتقدم ليدير أمور البلاد.. نخشي أن يكرر التاريخ نفسه.. ولو بعد مرور أكثر من قرنين من الزمان.. وأقولها: حتي لا يتم نفي السيسي.. كما تم نفي عمر مكرم.. وافهموها بقي!!