في جريدة «الأهرام» يوم الأربعاء الماضي قالت صفاء حجازي رئيسة قطاع الأخبار في حوار صحفي إنها تشعر بالحزن من رفض الرموز الوطنية وكبار السياسيين الظهور في التليفزيون المصري وتفضيلهم الظهور في القنوات الخاصة! وأنا سأجيب الأستاذة صفاء عن سبب ذلك السلوك، بل سأخبرها بشىء آخر وهو أن الهجرة من التليفزيون المصري لم تقتصر فقط على الضيوف، وانما امتدت الى كل المذيعين الموهوبين في المبنى، والذين هرب منهم أكثر من عشرة مذيعين في شهر واحد تقريباً، فالمبنى الشهير الذي يقع على كورنيش النيل تحول في الأعوام القليلة الماضية الى «مقبرة» للمواهب، وأصبح الترقي واقتناص البرامج لا يعتمد على الموهبة ابداً، وانما على خفة الدم والمصالح المشتركة وجميع أشكال الرشوة، ومن هنا ساءت البرامج وأصبحت لا تجذب أحداً من المشاهدين، لأن المشاهد يملك جهازاً صغيراً اسمه «الريموت» لا يمكن لمسئول في التليفزيون أن يفرض عليه مذيعاً أو مذيعة لا يرغبها، ومن هنا أصبح الطريق مسدوداً امام اصحاب المواهب والمبدعين، فلكي يصلوا الى برنامج أو تكثيف الظهور فلابد من تقديم التنازلات التي قد تصل احياناً لحد أخلاقي لا يقبله صاحب ضمير على نفسه. وبما أن أصحاب المواهب والكفاءات لديهم اعتزاز فطري بالنفس وبالكرامة، فقد أبوا تقديم هذه التنازلات، وفضلوا الهروب بعيداً عن هذا المبنى الكاسح والذي تديره عقول كسيحة!! بل إنني شخصياً أعرف مسئولاً تليفزيونياً يدير عمله من خلال معرض للموبيليا والأدوات المنزلية، ولا يمكن لمذيع أو مذيعة أن يأخذ حقه إلا اذا ذهب للتفاهم مع الاعلامي صاحب المعرض داخل معرضه!! فهل في ظل هذا العفن الموجود بهذا المبنى يمكن أن يرتقي وأن يقوم بدوره في ظل الحرب الاعلامية والقصف الاعلامي من جهات مشبوهة وقنوات عميلة ضد مصر وثورتها.. هل يمكن لهذا الاعلام الرسمي «الكسيح» ان يقوم بدور إعلام الحرب؟! أظن أن ذلك من المستحيلات.. لهذا كله هرب المبدعون من المبنى ويهربون كل يوم حتى يأتي يوم يقوم فيه الموظفون بتقديم برامج التليفزيون، كل ذلك أدى لسوء مستوي البرامج وهبوط حواراتها وتفاهة القضايا التي تناقشها، وعدم مواكبة الاحداث السريعة المتلاحقة، ومن هنا هرب الضيوف وخاصة الرموز السياسية، والثقافية من برامج التليفزيون الرسمي، لأنهم يدركون انها بلا مشاهدين بل إن الضيف يعود لمنزله فلا يجد حتى أسرته الصغيرة قد تابعت البرنامج الذي شارك فيه. إذن ما هو الحل يا سادة يا كرام؟! الحل بسيط وسهل وهو تعظيم قيمة الكفاءة والموهبة في المبنى العتيق وعدم دفن المواهب في سجن الأقدميات والوساطات، الحل في إطلاق يد المواهب الشابة حتى تفكر وتبدع وتقدم الافكار الخلاقة، والأهم من كل ذلك ألا نترك المبدع تحت رحمة الموظف، لأن هذا هو بيت الداء في ماسبيرو، كان الجميع في خدمة النجم والمبدع وهذا هو السر الأول في نجاح القطاع الخاص والفضائيات الخاصة. سؤالي الأخير هل هناك أمل في أن يسمع لنا أحد أو حتى يناقشنا في أفكارنا لتطوير المبنى، وإلحاقه بركب التطور والتقدم؟! اشك في ذلك تماما واليكم تجربتي في هذا الشأن.. ففي صباح الاثنين الماضي كنت ضيفاً على قناة النيل للأخبار، وفي آخر البرنامج وجهت انتقادات حادة لقيادات المبنى وتعجبت من إصرارهم على الفشل وطرحت أفكاراً للنهوض وإيقاظ التليفزيون من موته السريري فماذا حدث يا سادة؟! قرار من السيدة صفاء حجازي رئيس قطاع الاخبار بتحويل كل فريق العمل بالبرنامج للتحقيق، دون أن تستثنى منهم احداً، بل إنني أزعم أن السيدة صفاء لو امكنها تحويل «المشاهد» للتحقيق أيضاً لما تأخرت بل إنها اصدرت تعليمات شفوية بعدم استضافتي مرة اخرى في القناة!! ما معنى هذا ياسادة؟! المعنى الوحيد أن هؤلاء القوم لا يريدون أن يعملوا، بل ولا يريدون النصيحة من أحد حتى لو كانت لوجه الله، وهذا السلوك «القراقوشي» لا يمكن معه أن نتحدث عن تقدم المبنى وعودة المشاهدين الهاربين من جحيمه.. قبل أن يدعو الضيوف لذلك، بل إنني تذكرت كلمات قالها اخواني إن النظام الانقلابي يعذب محمد مرسي في سجنه بإجباره على مشاهدة التليفزيون المصري فقط.. وهو والله تعذيب ما بعده تعذيب.. فهل نفيق ونراعي الله في أعمالنا؟