أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو-، أن الشريعة الإسلامية تراعي استعدادات الإنسان وأحواله في بروز آثارها في التربية والتشريع، ثم تأخذ في الوضوح بالتدريج إلى بلوغ مستواها عند نضوج الإنسان. موضحًا أن هذا هو منهاج الإسلام في اتباع الحكمة التدريجية في تشريع أحكامه. ومن الأمثلة في اتباع هذه السياسة الحكيمة، مسألة المرأة؛ فقد أخرجها من الجاهلية المظلمة الظالمة إلى نور الحق والعدل والكرامة الإنسانية، وكفل لها الحقوق التي لم تكن معروفة في المجتمعات الإنسانية قبل الإسلام، وجعل النساء شقائق الرجال في الأحكام. جاء ذلك في كلمة ألقاها المدير العام للإيسيسكو في افتتاح اجتماع للخبراء حول القضايا السكانية صباح اليوم في المقر الدائم للإيسيسكو يعقد في أفق المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 2014. وقال فيها : « من الواجب استيعاب نمط الخطاب المعاصر وفلسفته، وضبط المتغيّرات العالمية ودراستها، ووضع الخطوط العامة للرؤية الإسلامية، وتحديد المساحة المتاحة للتصرف بمرونة، مع ضبط الإطار المبدئي الذي نتحرك فيه؛ ضمن آلية الثوابت والمتغيّرات». مشيرًا إلى أنه لم يعد النظر إلى كثير من المسائل والقضايا، كمسألة حقوق المرأة، ومسائل الأسرة، والسيطرة على السكان، محصورًا في المنظور الاقتصادي الديمغرافي، أو الفلسفي المفاهيمي، أو التاريخي الحضاري فقط؛ إنما تحوّل إلى منطق الحقوق؛ المنطق الذي يقول إن هناك حقوقًا وخياراتٍ يجب أن تمنح للبشر من أجل اتخاذ قرارات بكامل الحرية، بما في ذلك موضوعات المرأة وحقوقها؛ ومنها ما يصطلح عليه بالصحة الإنجابية، وعدد الأطفال، واختيار الفترات الزمنية بين الولادات، والإجهاض والخصوبة ووسائل منع الحمل ومدى انتشارها واستعمالها؛ كون هذا القرار أصبح حرًا، والمسألة لم تعد تنحصر في القضايا الديمغرافية، بل تعدتها إلى المسائل المرتبطة بالأخلاق والدين؛ والعلاقة بين الرجال والنساء وصور هذه العلاقة، وغيرها. وذكر أن قراءة متفحصة لمواثيق حقوق الإنسان والحقوق العالمية للمرأة، والإعلانات المكملة المتعلقة بها، والبرامج الإنمائية التي تشرف عليها الأممالمتحدة؛ كبرنامج المؤتمرات الدولية للسكان منذ مؤتمر بوخارست 1974، تبيّن أن جل القضايا المطروحة هي من صميم اهتمامات دول العالم الإسلامي والتي ما انفكت تبذل الجهد لتحقيق تقدم ملموس فيها؛ كالخصوبة، ومحاربة الأمراض المنتقلة وراثيًا وجنسيًا، والإجهاض، وضبط سن الزواج، والاهتمام بالفئات الهشة، وتمكين المرأة من حقوقها، إلا أنه تم تحريف بعض القضايا الحساسة عن اتجاهاتها حتى تصادم المعتقدات والشرائع؛ بما يخدم الخطابَ الماديَّ المتصاعدَ والمهيمنَ على جل أوجه الحياة في عالمنا اليوم. كما أكد على ضرورة بلورة خطاب مناسب يصحح التصوّرَ الذي يقضي بمناقضة الإسلام لمواثيق حقوق الإنسان؛ واعتماد خطابٍ إسلاميٍّ مبنيٍّ على تحليل عميق للمصطلحات السائدة والمعتمدة، وعلى وعي رشيد بحدود الحرية والخصوصية، وبفكرة الالتزام والعقد الاجتماعي، بدل ردود الأفعال المتشنجة وغير المدروسة. ولذلك يتوجّب التمييز بين القضايا القابلة للاجتهاد والنظر والتكييف، وبين القضايا المتصلة بالمبادئ التي لا ينبغي مناقشتها؛ كونها تتعلق بأصول الدين والهوية، ولا يمكن لأمة مهما بالغت في التحديث والانفتاح والتغيير، أن تفرط في عقائدها وفي مقومات هويتها. وذكر الدكتور عبد العزيز التويجرى أن الإيسيسكو، دعمًا لهذه المفاهيم الثابتة وبلورة لهذه الرؤية الشمولية، فقد أدرجت ضمن خطة العمل الثلاثية الحالية، مجموعة من دورات تدريبية، وورشات عمل، وندوات علمية، ومنها هذا الاجتماع الذي يتناول القضايا السكانية، وقضية حقوق المرأة، في أفق المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المقرر عقده في القاهرة خلال السنة المقبلة، وذلك تكثيفًا للتشاور والتواصل بين المهتمين ومن أجل الخروج برؤية إسلامية متناسقة ومتضامنة من مجمل القضايا المطروحة، ومساعدة الدول الأعضاء في تكييف موضوعات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتبادل المعلومات حول مختلف القضايا المتعلقة بالتنمية البشرية وموقف الإسلام منها، وصياغة وثيقة سكانية متكاملة جامعة بين البناء الشرعي والقانوني والوعاء الديمجرافى والتنموى.