تمر العلاقات المصرية الأمريكية بفترة جفاء نتيجة التوترات السياسية التى ثارت خلال الأسابيع الأخيرة، وربط البعض بينها وبين قرار تجميد المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر بشكل مؤقت. وإذا كان بعض خبراء الاقتصاد والتجارة يتوقعون أن تتأثر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بتلك التطورات، خاصة مع تفاقم أزمة الديون الأمريكية، وما يستتبع ذلك من تخفيض للتعاملات التجارية الخارجية، ووقف ضخ استثمارات خارجية جديدة، لكن هناك تصور آخر بألا تتأثر العلاقات التجارية بأى خلاف سياسى بمنطق أن التجارة لا وطن لها، وأن جفاء السياسة بين البلدين عارض وكثيرا ما يتكرر ثم يزول دون تأثيرات مباشرة على علاقات الاقتصاد. شريك تجارى رئيسى إن المتابع لتجارة البلدين يكتشف أن العام الماضى 2012 شهد نموا واضحا فى حجم صادرات مصر بلغت نسبته 42.9%، بينما شهدت واردات مصر تراجعا بلغت نسبته 11.7%.وبشكل عام فقد بلغت قيمة تجارة البلدين 8.5 مليار دولار من بينها 5.5 مليار دولار واردات من أمريكا وثلاثة مليارات دولار صادرات مصرية. والملاحظ أن المنتجات البترولية تمثل النصيب الأكبر من الصادرات المصرية وتبلغ قيمة الصادرات غير البترولية طبقا لعام 2012 نحو 1.4 مليار دولار فقط، وتمثل صادرات المنسوجات والملابس الجاهزة الجانب الأكبر فى تلك الصادرات إذ تسجل وحدها 900 مليون دولار. ورغم أن صادرات مصر إلى الولاياتالمتحدة لا تزيد على 2.2% من إجمالى ما يصدره الشرق الأوسط إلى أمريكا، فإن مصر تستقبل 7% من صادرات أمريكا إلى الشرق الأوسط. وبذلك تعد مصر ثانى أكبر دولة فى أفريقيا استيرادا من أمريكا. ومن الملاحظ أيضا أن صادرات مصر إلى الولاياتالمتحدة تقتصر فقط على ثماني ولايات من بين خمسين ولاية، وتلك الولايات هى: كاليفورنيا، تكساس، لوزيانا، واشنطن، جورجيا، جنوب كارولينا، ميريلاند، ونيويورك. وبالنسبة للواردات فإن القمح هو المنتج الأول ورغم انخفاض ما استوردته مصر منه خلال العام الماضى مقارنة بعام 2011 بنسبة 27%، إلا أن حجم الاستيراد سجل 850 ألف طن، وهو ما يمثل 10% من واردات مصر من القمح. البترول أكبر قطاع استثمارى أما بالنسبة للاستثمارات الأمريكية فى مصر فيبلغ حجمها الاستثمارات الأمريكية 16.7 مليار دولار، وهو ما يمثل 27% من استثمارات الولاياتالمتحدة فى أفريقيا. ويستحوذ قطاع البترول على الجانب الأكبر من الاستثمارات حيث تبلغ 8.5 مليار دولار. وتعد شركة «هيوستن أباتشى» أكبر مستثمر أمريكى فى مصر، كما توجد شركات بترول أمريكية تستثمر فى مصر مثل اكسون موبيل، هيلبرتون، ميلون، ترانس أويل. وخارج قطاع البترول يستحوذ قطاع الصناعة على 47.2% من الاستثمارات الأمريكية التى تمثلها شركات عديدة أبرزها جنرال موتورز، بالموليف، أمريكان استاندرد، انيرجايزر، جنرال اليكتريك، هاينز، بروكتر آند جامبل، وزروكس، وفايزر. ويستحوذ قطاع الخدمات على 21.1% من الاستثمارات وتضم أبرز الشركات إيه آى جى، أمريكان اكسبريس، سيتى جروب، بى إن واى ميلون. جفاء لا قطيعة جمال محرم رئيس غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة السابق يرى أن علاقة أمريكا بمصر علاقة استراتيجية لا يمكن التفريط فيها. ويتضح ذلك من تغيّر الخطاب الرسمى الأمريكى من الثورة المصرية فى حيث تأكد لديها أن 30 يونية جاءت بإرادة وطنية. ويرى «محرم» أن شراكة مصر والولاياتالمتحدة تقوم على التعاون المشترك، وهناك تباين فى وجهات النظر حول أسباب تجميد المعونة خاصة أن الأزمة الكبيرة التى تعانى منها أمريكا تلزمها بضغط نفاقاتها. وفى شهادة المهندس مجدى طلبة وزير الصناعة بحكومة الوفد يقول إنه لا يتخيل أن تتاثر العلاقات التجارية بين مصر وأمريكا بأى اختلافات سياسية لأن الاقتصاد لدى رجال الأعمال الامريكيين لا وطن له. ويشير إلى مشاركته فى مؤتمر تجارى بالولاياتالمتحدة منذ أيام تأكد فيه ان مشكلة الصادرات المصرية والصناعة المصرية مشكلة داخلية وليست خارجية، مؤكدا أن هناك طلباً عالياً على منتجات الملابس والمنسوجات المصرية فى السوق الأمريكى لكن لا يمكن تلبيته بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية. ويقول «طلبة» إن الشركات الأمريكية لها معايير ومواصفات تطلبها، وهى غالبا تبحث عن أداء جيد، ومواصفات فنية عالية، والتزام بمواعيد التوريد. ويكشف أن صادرات مصر من الملابس والمنسوجات إلى أمريكا تبلغ نحو 900 مليون دولار فقط، بينما تصل صادرات دولة صغيرة مثل بنجلاديش إلى 14 مليار دولار، وهناك مخطط لتصل إلى 54 مليار دولار خلال عشر سنوات. ويرى أن ذلك مرده قيام الحكومة البنجلاديشية بوضع برنامج قومى متميز للتصدير، مشيرا إلى أن توترات العلاقات السياسية لا تنعكس على العلاقات التجارية التى يراها محدودة وأن صادرات مصر إلى السوق الأمريكى أقل من أن تتأثر. هانى قسيس رئيس مجلس الأعمال المصرى الامريكي السابق يرى أن مصر لن تتأثر لأن الامريكيين يفصلون دائما بين العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية. ويقول: «لا أتصور أن تتحول علاقة الجفاء السياسي إلى خلافات أو عداء». ويؤكد أن حالة العداء تقضى تماما على أى تجارة، لكن الاختلافات فى وجهات النظر أو سياسيا أمر وارد. ويضيف «قسيس» أن الاستثمارات الأمريكية لا يمكن أن تتأثر لأن الغالب عليها استثمارات بترولية كبيرة، لكن باقى الاستثمارات استثمارات استهلاكية تركز على الاستفادة من السوق الكبير.