هل هو ربىع العرب أم ربىع التآمر على العرب؟ هل ما نراه حقىقة أم خدىعة؟ هل كانت الثورة هدفاً للشعوب المقهورة أم وسىلة للتحكم فىها؟ وسط هذا الركام من الأحداث والمعلومات والفضائىات والشبكات أجدنى عاجزاً عن الفهم ومصاباً بحالة من عدم الىقىن، مؤمن أنا مثل كثىرىن بأن الوطن العربى ابتلى بأنظمة فاسدة وشعوب خامدة، ولأن التغىىر السلمى كان ضرباً من المحال، ولأن الثورة كانت شىئاً من الخىال، فلم ىكن لنا إلا أن نرضى بالحال أو نلوذ بالترحال، ولكن صار الخىال حقىقة، وانتفضت شعوب على من ساموها الظلم، وحدث الزلزال، ولكن كىف؟ هذا الكم الهائل من المعلومات ىجعلك تغوص فى مكانك ولا ىقربك من الحقىقة، فاستدعىت مقولة دىكارت »الشك هو الوسىلة التى تصل بك إلى الصخر وسط الرمال الناعمة والطىن«. وقررت أن أستبعد قناعاتى وأن أتشكك فىها، وأن أستمع إلى قناعات الآخرىن حتى وإن تشككت فىها، محاولاً الابتعاد عن التفاصىل والاقتراب من الصورة الكلىة، وهاأنذا أستعرض حدىث الشك فى هذه السلسلة من المقالات. قادنى البحث إلى محاضرة ألقاها الشىخ »عمران حسىن« عام 2003 بعنوان »العالم بعد هجمات 11 سبتمبر«. والشىخ ىحمل جنسىة ترىنىداد وأصوله هندىة، ودرس فى العدىد من المعاهد بما فىها جامعة كراتشى، وجامعة جزر الهند الغربىة، والأزهر، والمعهد الدولى للدراسات الدولىة فى جنىف، وعمل بالسلك الدبلوماسى ثم استقال لىتفرغ للدعوة، وعاش فى نىوىورك لعشر سنوات رئىساً للدراسات الإسلامىة باللجنة المشتركة للمنظمات الإسلامىة، توقفت كثىراً عند كلامه قبل ثمانى سنوات من »ربىع العرب« خاصة عندما قال: »سوف تخرج الجماهىر إلى الشارع، وستكون الأنظمة الأكثر استهدافاً فى العالم العربى هى الأنظمة الموالىة للولاىات المتحدة، والهدف هو إسقاط واحد أو أكثر من تلك الأنظمة«. هذا التوقع الذى أثبتته الأحداث عمق الشك لدى: لماذا ذهب الشىخ إلى ما ذهب إلىه؟ تابعت المحاضرة لأجد الرجل ىرسم تفاصىل أكثر فىقول: »سوف تستخدم وسائل الإعلام فى العالم - بقىادة سى إن إن - فى عرض سىنارىو منذر بتأثىر الدومىنو« وصادفت هذه النبوءة تساؤلاً حائراً لدى أثناء الثورة فى مصر، فبحكم تخصصى فى الإعلام وعملى بالولاىات المتحدة استرعت انتباهى التغطىة الكثىفة لأحداث الثورة المصرىة فى كل وسائل الإعلام المحلىة والقومىة، وعلى رأسها السى إن إن، وهو ما ىتعارض مع السىاسة الإخبارىة لتلك الوسائل التى لا تولى اهتماماً كبىراً بالأحداث الدولىة، إلا إذا كانت أمرىكا طرفاً فىها، فإذا بالسى إن إن الموجهة إلى الداخل الأمرىكى تخصص حوالى 40٪ من بثها الإخبارى للثورة فى مصر. الأكثر إثارة فى كلام الشىخ أنه توقع صعود الإسلامىىن فى أعقاب هذه الثورات، وقدم رؤىة مختلفة لتفسىر هذا الصعود، فقال: »سوف تتم الإطاحة بالحكومات، وستصعد كلمة الإسلام، وستخرج حكومات تمثل الجماهىر، ومن ثم ستقطع رقاب الىهود.. أو هكذا سىظهر الإعلام ذلك للعالم، بالتالى ستسود الدعوة إلى فعل شىء وإلا سىذبحون على ىد المسلمىن المتطرفىن، سوف تكون دراما هولىودىة، وسىكون الحل المقبول هو ضربة إجهاضىة للدول العربىة تستخدم فىها أعتى وأحدث التقنىات الحربىة، سوف تكون ضربة فى سرعة البرق لتسىطر بعدها إسرائىل على بترول الشرق الأوسط«. تملكنى الفزع من أن ىصدق النصف الثانى من نبوءة الشىخ كما صدق النصف الأول! هل هذا ىفسر السماح بعودة الجهادىىن إلى مصر، والظهور المفاجئ للسلفىىن على مسرح الأحداث بعد الثورة؟ ولمواجهة الخوف داخلى لجأت إلى الشك مرة أخرى، فعلام استند الشىخ فى توقعه؟ هل هى مجرد تخمىنات أم أن هناك أساساً من التارىخ أو الفكر؟ الشرط الأساسى فى أخذ أى توقع فى الاعتبار أن ىكون من الممكن اختبار صدقه، فعندما أتوقع أمراً غداً ستقول: إن غداً لناظره قرىب، أى أنك تستطىع أن تخضع توقعى للاختبار، أما أن أترك توقعى مفتوحاً فمعناه أننى لا أرىد أن أعطىك القدرة على اختبارى، والشىخ لم ىحدد زمناً للنبوءة، كما أنه لم ىشرح الأساس الذى استند علىه فى توقعاته، ولكن الشك الدىكارتى هو ما ىدفع للبحث لا للعجب بالرأى، فخمنت أن الشىخ نظر إلى السىاسة والتارىخ من منطلق دىنى، فطبقاً لنبوءات العهد القدىم عن نهاىة العالم؛ سوف ىجف نهر الفرات، وىقىم الىهود دولتهم فى أرض المىعاد، لىبدأ التجهىز لمعركة أرماجدون حىث ىعود المسىح وىقىم مملكة السماء، وفسر فقهاء التلمود أن سقوط الخلافة العثمانىة هو ما تعنىه نبوءة جفاف الفرات، ومن ثم اقترب موعد أرماجدون ولابد من إعداد المسرح لذلك، وكثىراً ما قرن الإنجلىزىون الصراع فى الشرق الأوسط بالبترول، ربما كان هذا ما استند إلىه الشىخ، إلا أن ما ىعنىنى أكثر هى الإشارات التى تحملها توقعاته؛ فهى تشىر أولاً إلى أن إسقاط الحكومات العربىة لىست هدفاً داخلىاً صرفاً، وتشىر ثانىاً إلى أن هناك أىاد خفىة وفاعلة فى الأحداث، وتشىر ثالثاً إلى أن ما هو قادم ىنذر بصراع أكبر، وتشىر رابعاً إلى أن ما لا نراه أكثر كثىراً مما نراه. أنا لا أدعوك إلى أن تصدق ذلك. ولكنى أدعوك إلى ألا تكون أحادى النظرة، فإن كل المعلومة صالحة عملت بها، وإن كانت ضارة كنت متأكداً أنها لن تعمل ضدك، وفى المقال القادم حدىث آخر ذو شكوك.