فى رحاب بيت الله الحرام الذى شد الحجاج الرحيل إليه، تاركين خلفهم الدنيا وزينتها، والأهل والديار والأموال، وقف الحجيج يغسلون أنفسهم من الذنوب والمعاصى برحمات من الله العلى القدير.. الروح السامية تعلو على الجميع، والبشاشة تكسو الوجوه، والتسامى ينتشر بين كل من جاء من فج عميق، والدعوات لا تفارق الحجيج بين همس وأصوات عالية بمناجاة الله العلى القدير. عندما وصلنا من المدينةالمنورة إلى مكةالمكرمة، بدأنا أداء العمرة، وفى خلال المسافة بينهما كانت التكبيرات تصدح من الجميع «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك الملك.. لا شريك لك».. فى الطواف حول الكعبة كانت الرحمات تنزل على عباد الله القادمين من كل أنحاء الدنيا.. الكل يرفع الأكف بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بتحقيق حاجاته من الدنيا والآخرة.. لكن هناك دعاء كان يصل إلى الآذان بتضرع شديد إلى الله وهو أن يحفظ مصر وشعبها، وأن تعبر إلى بر الأمان..لم يكن المصريون وحدهم الذين يدعون بذلك بل كانت هناك أمم أخرى تدعو لمصر بالفلاح والاستقرار وحسن الحال. فى رحاب الكعبة المشرفة توافد الحجيج على الطواف حول الكعبة فى تظاهرة اسلامية رائعة يملؤها الجو الروحانى، بعيدًا عن متاعب الدنيا ومشاغلها، الجميع يدعو الله بأن يغفر الذنوب والمعاصى، ويطهر القلب من الغل والحسد كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. فى الكعبة لا تسمع إلا ذكر الله والتقرب إليه، ناسين هموم الدنيا ومشاغلها.. وحول الكعبة تتجلى الأنوار الربانية وتنزل رحمات الله على عباده الذين جاءوا غبرًا شعثًا يرجون هذه الرحمة.. وهنا امتلأنى الجو الروحانى الذى يدفعك إلى أن تطلب من الله العلى القدير أن يغفرالذنوب والآثام، فالدموع تنهمر على الخدود والقلوب وجلة من الله العزيز القهار. أما فى السعى بين الصفا والمروة، فالقلوب عامرة بذكر الله، والنفوس هادئة، وتملأ الأفئدة المشاهد التى كانت السيدة هاجر تهرول بين الجبلين، عندما تركها الخليل إبراهيم عليه السلام فى وادٍ غير زرع عند البيت الحرام، والتكبيرات والتهليلات تصدح فى السعى والجميع يرجو الرحمة من الله أن يطهر قلوبهم من الدنس، والسكينة رغم المشاق تسيطر على الأفئدة.. الذهاب إلى بيت الله الحرام رحلة سامية يكتبها الله لمن شاء من عباده، لا الأموال وحدها تكفى فيها وإنما الكرم الإلهى هو السبب الأساسى لمن يكتب الله له هذه الرحلة الربانية.. وبعد أداء العمرة يعيش المسلمون فترة التمتع حتى تبدأ مناسك الحج فى اليوم الثامن من ذى الحجة.. فاللهم اهدنا صواب السبيل، وطهر نفوسنا من الحقد والغل والحسد وحقق لكل امرئ ما يتمناه برحمة الله العلى القدير.