رغم ما تقوم به لجنة الخمسين من جهد لتعديل أو تغيير دستور الإخوان المعيب الصادر فى 2012، إلا أننى غير متفائل بمقدرتها على إنجاز مهمتها فى الوقت المحدد لها بالمادة 29 من الإعلان الدستورى الصادر فى الثالث من يوليو الماضى، ومن ثم تعريض الدستور الجديد للطعن، وتدخل مصر مجددًا حالة من الفوضى السياسية والفراغ الدستورى، ونعيش جميعًا «فى حيص بيص» حتى يتدخل الرئيس بإعلان دستورى جديد يطيل أمد عمل هذه اللجنة ولا يقيدها بفترة محددة، وتلك خطورة أخرى غير محسوبة قد تظهر الدولة المصرية أو الرئيس والحكومة المؤقتة فى عيون العالم بأنها عاجزة فشلت فى انجاز خارطة الطريق، وتجاوز المرحلة الانتقالية التى أفرزتها ثورة 30 يونية بكل ما تحمله من تبعات ومسئوليات جسيمة على الجيش والشرطة والنظام الحالى بشكل عام. فوفقا للمادة «29» تحددت فترة الانجاز والانتهاء من الدستور بستين يومًا على الأكثر من ورود مقترح الدستور إلى اللجنة، ورغم أن اللجنة تسلمت المقترح فى الثامن من سبتمبر الجارى. وانطلقت فى العمل قبل نحو ثلاثة أسابيع، لا يبدو فى الأفق ما يبهج، ولم تستطع اللجنة إقناعنا بهذه الوتيرة من البطء الشديد فى أنها ستنجز عملية «الدسترة» فى الموعد المحدد دستوريا. وهو ما يسعد بالطبع كثيرًا من المتأسلمين والمتشددين وينعش أملهم فى إجهاض الدستور الجديد. ومن يتابع جلسات اللجان، يشعر بهذا القلق الذى ينتابنى على مستقبل مصر ودستورها، فمعظم الأعضاء يهدرون الوقت فى أمور جدلية «سوفسطائية» عديمة الجدوى، وما تتم مناقشته فى اللجان الفرعية مساء، يطرح من جديد على اللجنة العامة صباحًا، وكأنهم يدورون حول أنفسهم فى مكان واحد، كما تدور سواقى الفيوم حول نفسها، فتعجب الزوار والسياح فقط، ولا تضخ ماءً فى أرض أخرى عطشانة. الكارثة هنا.. أن الأعضاء يعلنون تمسكهم بخارطة الطريق، وعند المناقشة يختلفون وبشدة على تفاصيل الدستور الذى هو جزء أساسى من تلك الخريطة «؟!».. وحتى الآن لم يستقروا على رأى واحد حول أبسط القرارات وهو تعديل الدستور أم تغييره واستبداله، فريق يطالب بالنسف مستندًا إلى عدم شرعية دستور نظام الإخوان سياسيا وشعبيًا كونه لم يحظ إلا بتأييد 10٫5 مليون مصرى فقط «20٪ من اجمالى الناخبين» ولم يشارك فى الاستفتاء عليه سوى 32٪ فقط ممن يحق لهم التصويت، وهو ما يتعارض مع نص المادة العاشرة من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 «بأن يتم اقرار العمل بالدستور الجديد بعد موافقة أغلبية الشعب عليه» أى أغلبية عدد الناخبين وهذا لم يحدث بالطبع. كما يستند هؤلاء الأعضاء إلى أن دستور 2012 انتهى مفعوله بقيام ثورة 30 يونية وسقوط نظام مرسى وجماعته. أما الفريق الآخر فيفضل الاكتفاء بالتعديل، ضمانا لسرعة الإنجاز وتجنب الطعن الدستورى، وأنصار هذا الفريق وأنا منهم - فيستندون إلى ضرورة الالتزام بنص المادتين «28 - 29» من الإعلان الدستورى الصادر فى يوليو الماضى، والقاضى بتعديل الدستور وليس تغييره، ويميل هؤلاء إلى إصدار دستور مؤقت للبلاد لحين استقرار الأوضاع سياسيا وأمنيا واقتصاديا، معتبرين أن 80٪ من مواد الدستور المعطل كان متوافقا عليها، ولا يوجد فى الديمقراطية ما يسمى بتعطيل الدستور، لأن أى دستور يظل ساريا - من وجهة نظرهم - حتى يصدر آخر بديل ويستفتى عليه الشعب. إننا لا نشك لحظة فى وطنية أى عضو بلجنة الخمسين «الشقاء» ولكن كتابة صفحة جديدة من تاريخ مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية تتطلب تحركا أسرع، وأداء أكثر فاعلية يتجاوز جدلية «مدنية الدولة وإسلامية الدستور». فمسودة دستور 2013 بها العديد من الثغرات وملغمة بملفات صعبة يجب حسمها مبكرًا. فمن المهم الآن الانتباه لعامل الوقت بتجاوز الصراع السياسى والمذهبى. لتفوذ مصر بدستور قوى مرن قابل للتطبيق، يحدد وبشكل واضح وصريح نظام الحكم «رئاسى أم برلمانى أم مختلط يجمع بين الاثنين». نريد دستورًا يحدد أيضا آليات وطريقة تشكيل الحكومة والمجالس النيابية «غرفة واحدة أم غرفتان» «شعب وشورى»، كما نريد حسم قوانين الانتخاب والأحزاب والسلطة القضائية، والأمنية، فضلاً عن المحاكمات العسكرية للمدنيين، والمرأة والطفل، والإعلام والأقباط وغيرها من الملفات المهمة. وأعتقد أننا لن نكون أقل من الهنود الذين وضعوا دستورًا عام 1954 يعد نموذجًا جيدًا للدساتير الحية والديناميكية التى تطور نفسها ذاتيا بفعل وعى النخب السياسية والحزبية، لتحاكم أى رئيس ديكتاتور وتطيح بأى حكومة فاسدة.