استجابت الحكومة للثورة الداعمة لزيادة الحد الأدنى للأجور منذ ثورة 25 يناير الماضى شهدت خلالها الفترة الماضية شداً وجذباً احتدم مؤخراً بين الحكومة والقطاع الخاص والعمال ليفاجئ الدكتور حازم الببلاوى الجميع بإقرار الحكومة حداً أدنى للأجور 1200 جنيه يطبق اعتباراً من شهر يناير القادم علي العاملين بالدولة ويلقى الكرة فى ملعب القطاع الخاص الذى مازال يشهد خلافاً وجولات شد وجذب مع ممثلى العمال فى المجلس القومى للأجور، ومن المقرر أن تحسم الأمر للعاملين فى القطاع الخاص فى اجتماع المجلس يوم الثلاثاء القادم. وهناك تأثيرات مباشرة لتطبيق هذا الحد وتبعات تتحملها الحكومة، حيث تشير التقديرات إلى أن تكلفة رفع الحد الأدنى للعاملين فى الحكومة سيكلفها زيادة تصل إلى 32 مليار جنيه مقابل أقل من 9 مليارات عن 800 جنيه، وبالتالى فإن حد الأجور تكلفته الإجمالية تصل إلى 41 مليار جنيه تتحملها الموازنة العامة للدولة فى ظل ظروف صعبة، وكان آخر حد تم إقراره فى نظام مبارك الأسبق قد بلغ 750 جنيهاً لكافة العاملين بالدولة بما فيهم القطاع الخاص، وتبقى معركة أخرى وهى إقرار هذا الحد فى القطاع الخاص حتى لا يشكل اختلافاً وتشوهاً وتنافسية ليست لصالح الاقتصاد القومى، وأن أصحاب الأعمال يرفضون لأسباب يرونها منطقية، بينما يرفضها العاملون الذين يعتبرون أنفسهم يعملون سخرة لدى أى منهم دون أجور تتناسب ومستويات الأسعار والمشكلة الرئيسية أن القطاع الخاص صاحب أكبر نسبة تشغيل فى مصر هو صاحب النسبة الأكبر فى العاملين الذين يقل أجرهم عن الحد الأدنى السائد حالياً وهو 700 جنيه بدعوي عدم قدرة بعض القطاعات على تحمل أجور أكبر وأن هناك قطاعات اقتصادية طبيعة عملها تعتمد على عمالة جزء منه راتب والآخر حوافز مرتبطة بالإنتاج مثل قطاع السياحة والنسيج والصناعات الهندسية والتحويلية، وهم بالتالى يلوحون بعدم إمكانيتهم زيادة معدلات التشغيل واستيعاب فرص جديدة تحل مشكلات البطالة وهذا يعنى تفاقم أزمة البطالة التى تؤرق الحكومة والاقتصاد القومى، فهل يستطيع الاجتماع القادم للقومى للأجور تخطى مراحل الخلاف؟! الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط رئيس المجلس الأعلى للأجور، يؤكد أنه فى حالة الاتفاق على وضع حد أدنى مناسب للأجور من جانب المجلس فى اجتماع الثلاثاء القادم فإنه سيتم تطبيقه بدءاً من عام 2014 القادم. وقال وزير التخطيط ل «الوفد»: إنه ستكون هناك آليات حاسمة لإلزام أصحاب الأعمال بتطبيقه مع العمال، وأنه سيتم إجراء تعديل تشريعى لقانون العمل يلزم كافة الأطراف والقطاع الخاص على تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس فى الأجور والعلاوات الاجتماعية السنوية.. لافتاً إلى وجود روح إيجابية وتفهم واضح لدى المسئولين لاعتماد الحد الأدنى والأقصى فى ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الراهنة، تحقيقاً للعدالة الاجتماعية التى تعد أحد أهم مطالب ثورة 25 يناير. وأوضح أنه سيتم إعداد خريطة طريق متكاملة لإصلاح وتطوير منظومة الأجور على المستوى القومي كنقطة انطلاق أساسية لتحقيق النمو الاقتصادى المستدام والعدالة الاجتماعية الشاملة، على أن يتم الانتهاء من إعداد هذه الخريطة الإصلاحية وعرضها على المجلس في موعد أقصاه نهاية يناير 2014.. لافتاً إلى أن معالجة التشوّهات العديدة التي تعاني منها الأجور فى مصر تعد في مقدمة أولويات عمل الحكومة خلال المرحلة الانتقالية الحالية في إطار التأسيس للعدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل. وهناك بعض المعلومات المهمة والأرقام المتعلقة بهذة القضية من واقع الدراسات التى عرضها الخبراء على المجلس عن سوق العمل وأوضاع الأجور في الاقتصاد المصري.. فوفقاً لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ حجم قوة العمل في مصر وهم السكان في سن العمل من 15 سنة فأكثر وهم القادرون على العمل والراغبون فيه وبلغوا 27 مليون فرد، منهم نحو 21 مليون من الذكور و6 ملايين من الإناث. ويقدّر أعداد المشتغلين بنحو 23٫4 مليون مشتغل، 71% منهم يعملون في القطاع الخاص، ونحو 23% في الحكومة، والباقي في قطاع الأعمال العام 4٫4% والقطاعين الاستثماري والتعاوني أقل من 2%، ويعدّ القطاع الخاص غير المنظّم (خارج المنشآت) هو المشغّل الرئيسي في الاقتصاد المصري، حيث يبلغ نصيبه من إجمالي المشتغلين حوالي 46%. كما ان الارتفاع الكبير في معدلات البطالة خلال الفترة الأخيرة يثير القلق وقد تجاوزت 13% في يونيه 2013 مقارنة بنحو 9% فقط قبل يناير 2011، وهو ما يعني وجود 3٫6 مليون متعطل يبحث عن عمل ولا يجده، أغلبهم من الشباب والإناث والحاصلين على مؤهلات عليا ومتوسطة. كما تشير البيانات الرسمية إلى أن ما يقرب من 48% من المتعطلين يعانون من البطالة لمدة 3 سنوات أو أكثر قبل أن يجدوا فرصة عمل، في حين ينجح حوالي 9% فقط في الخروج من دائرة «البطالة» قبل مرور سنة واحدة، وهو ما يوضّح مدى عمق مشكلة البطالة في الاقتصاد المصري. والأمر اللافت للاهتمام أن 23٫5% من المتعطلين حالياً سبق لهم العمل، مقارنةً بأقل من 13% قبل يناير 2011، وهو ما يعكس التأثير السلبي الخطير للأحداث السياسية خلال السنوات الثلاث السابقة على مجمل النشاط الاقتصادي وما استتبعه من تسريح للعمالة. ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن متوسط الأجر الشهرى على المستوى القومي يبلغ نحو 2591 جنيهاً، وأن هذا المتوسط يرتفع بالنسبة للعاملين في القطاع العام والحكومي ليصل إلى 3522 جنيهاً مقابل 1475 جنيهاً للقطاع الخاص.. وتجدر الإشارة إلى أن نحو 70% من المشتغلين حالياً يحصلون على أقل من المتوسط السائد على المستوى القومي، وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 90% في القطاع الخاص و52% للقطاع الحكومى والعام. وهناك مخاوف لتطبيق هذا الحد فى الحكومة من وجهة نظر الخبراء ومنهم الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، مدير عام إدارة التوقع الاقتصادى بوزارة التجارة والصناعة، الذى يقول: إنه يعمل بالحكومة ما يقرب من 6 ملايين عامل، يتقاضى عدد كبير منهم أجراً أقل من 1200 جنيه، ولا يوجد فى موازنة 2013/2014 بنود تسمح بتمويل هذه الزيادة. وفى حالة إقرارها فإنه يعتقد أن الحكومة لا تمتلك موارد حقيقية لتمويل هذه الزيادة، وهى بذلك سوف تجد نفسها مضطرة إما لفرض ضرائب جديدة على السلع والخدمات، أو الاقتراض من السوق المحلية، أو التوسع فى إصدار وطباعة النقد. وبالتأكيد كل الخيارات صعبة وضارة جداً بالاقتصاد المصرى، ففرض الضرائب على السلع والخدمات سوف يرفع تكاليف الإنتاج وبالتالى رفع الأسعار، وزيادة معدلات التضخم.. ومن هنا سوف يؤدى إلى تقليل قيمة الدخول الحقيقية للعمال وليس زيادتها كما يتوقع البعض، حيث إن ال 1200 جنية سوف تشترى سلعاً وخدمات أقل مما كانت تشتريه من قبل. وإما اللجوء للاقتراض فى ظل زيادة الدين الداخلى ووصوله إلى المراحل الحرجة فغير مقبول أيضاً، ولست فى حاجة إلى بيان مخاطر التوسع فى إصدار النقد بما يعنى زيادة النقد المصدر فى ظل ثبات عرض السلع، وما ينتج عنه من موجات تضخمية وعدم ثبات الأسعار، وخلل فى الأسواق. وقال: هناك 18 مليون عامل يعملون بالقطاع الخاص وأن إجباره على تطبيق أجر 1200 جنيه مقابل 8 ساعات عمل قد يؤدى إلى مشاكل بين العمال وأصحاب العمل قد يهدد بتوقف الإنتاج، فى الوقت الذى أعلنت فيه الحكومة أن تعطيل منشأة واحدة عن العمل هو خط أحمر، وأن المطالبة بتحديد الحد الأدنى للأجور لا يمكن قبوله كسبب في غلق منشأة واحدة.. واقترح تطبيق الحد الأدنى للأجور بشكل يزيد الإنتاج وعلى مراحل تبدأ بتحديد الحد الاقصى وربطة بالأدنى ومراجعته كل عامين وربط الحوافز بالإنتاج. وأكد الدكتور فخرى الفقى، مساعد رئيس صندوق النقد الدولى السابق، علي عدم المساس أو الحديث عن الحد الأدنى للأجور فى هذا الوقت وهناك حلول أخرى يمكن للحكومة توفير موارد اللازمة لها مثل فرض ضريبة تصاعدية على دخل الأفراد وليس الشركات، لافتاً إلى أن هذه الضريبة يبلغ متوسطها فى العالم 35% وما زالت فى مصر لم تتخط 25% وبالتالى لا حديث عن الحد الأقصى وأجور المستشارين وفى نفس الوقت يحد هذا من هروب الكفاءات.. وقال: إن الضرائب على الصناعات كثيفة الطاقة، وأشار إلى أن الحكومة مازالت أيديها مغلولة عن فرض ضرائب عليها، كما اقترح التوسع فى تسجيل العقارات برسوم مشجعة، موضحاً أن قيمة ما يتم تسجيله فى العقارات فى مصر 10% فقط وأن رسوم تسجيلها سوف يوفر موارد كبيرة لموازنة الدولة. وفى ظل الانقسام والخلاف الدائر فى المجلس الذى أصبح أشبه بلعبة شد الحبل بين الأطراف كل يسعى لتحقيق مكاسب خاصة يجب ألا ننسى أن هناك أكثر من 33% من العاملين فى القطاع الخاص يحصلون على أقل من 700 جنيه شهرياً، بينما تصل إلى 6% للعاملين في الحكومة والقطاع العام وهم العمالة غير المثبّتة وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في 2013 وهناك أمل أن يراعى القطاع الخاص الارتفاعات المخيفة فى الأسعار التى أصبحت تعصف بالبيوت وتفوق قدرة العاملين على ملاحقتها.