فجر تقليص اختصاصات الهيئات القضائية فى مسودة لجنة العشرة لتعديل دستور 2012، ثورة غضب داخل الهيئات القضائية، وأكدوا أنها ستدفع لبطء التقاضى وغل آليات مكافحة الفساد من جانب أجهزة الفحص والتحقيق والاتهام وتقيد المحاكم. رصدت «الوفد» أهم الملاحظات القضائية على مسودة لجنة العشرة بالتزامن مع بدء فعاليات لجنة الخمسين للتصويت على مواد تعديل دستور 2012، لطرح رؤية أعضاء الهيئات القضائية أمام اللجنة التى ستغلق ملف التعديلات الدستورية خلال الأيام القادمة، تمهيداً لطرح التعديلات النهائية على الشعب للاستفتاء عليها. وتكمن أبرز الاختصاصات المنزوعة من المحكمة الدستورية العليا، فى إلغاء سلطتها فى الرقابة السابقة على مشروعية القوانين المكملة للدستور والصادرة عن البرلمان، وإلزام المحكمة الدستورية العليا بصياغة تعديل جديد لقانونها، فى حالة الحكم ببطلان قانون انتخابات المجالس البرلمانية مستقبلاً، بالتنفيذ على انتخابات البرلمان القادم، والإبقاء على الحالى لاستكمال دورته التشريعية كاملة دون حل. وأوضح المستشار محمد محجوب، نائب رئيس محكمة النقض، عضو لجنة الخبراء العشرة التى صاغت مسودة تعديل دستور 2012 فى تصريحات خاصة ل«الوفد»، أنه لن ينفذ حكم بحل مجلس الشعب بأثر فورى مستقبلا على غرار أحكام بطلان بعض قوانين ولوائح الضرائب، الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا حتى لا ترهق موازنة الدولة من ناحية، فضلاً عن استحالة رد الرسوم التى حصلتها مصلحة الضرائب من الخاضعين، وأنفقتها الحكومة فى المشروعات العامة من ناحية أخرى. وحول اتهام لجنة العشرة بنزع اختصاصات من هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة فى مسودة تعديل الدستور، أكد «محجوب» أن الاختصاصات الممنوحة للهيئتين فى دستور 2012 المعطل تتعارض مع اختصاصات المحاكم، وأن اللجنة حددت اختصاصاتهما طبقاً لمجال عملهما فى قانونيهما، مع الاحتفاظ لهما بأنهما هيئتان قضائيتان مستقلتان لهما كافة الحقوق الممنوحة لأعضاء السلطة القضائية. فى سياق متصل، أوضح المستشار أحمد خليفة، رئيس مجلس إدارة نادى مستشارى هيئة قضايا الدولة، أن الإبقاء على اختصاص الهيئة بإعداد العقود بين الدولة والأفراد والشخصيات الاعتبارية، يضيف ضمانة جديدة لحماية الدولة من صدور أحكام ببطلان العقود ودفع تعويضات للمتعاقدين مع الدولة. وأضاف أن هذا الاختصاص لا يتعارض مع اختصاص مجلس الدولة، بمراجعة تلك العقود لأن مرحلة التفاوض وإعداد العقد تسبق مرحلة مراجعته. وقال إن إلغاء اختصاص هيئة قضايا الدولة، بإعداد العقود التى تكون الدولة طرفا فيها، يعتبر ضرراً بالغاً بمصالح الشعب المصرى، لأننا نعلم جميعاً ما أسفر عنه ترك الجهات الإدارية وشأنها فى إعداد العقود، ومنها عقود الخصخصة. وأشار إلى أن أحكام مجلس الدولة بعد الثورة التى قضت ببطلان تلك العقود، وما ترتب على ذلك من تحميل الخزانة العامة للدولة مبالغ طائلة لدفع التعويضات نتيجة ذلك البطلان. وقال إن لجنة العشرة، أفرغت اختصاص هيئة قضايا الدولة، بتسوية المنازعات التي تكون الدولة طرفاً فيها من مضمونه بجعله «مجرد اقتراح غير ملزم»، في حين أن الإبقاء عليه، يحقق صالح القاضي والمتقاضي في آن واحد. وأوضح أنه إذا تمت التسوية بموافقة الطرفين صارت ملزمة لهما، وبالتالى انخفض تباعاً عدد القضايا التي تنظرها المحاكم مع قلة عدد القضاة، وكذا حقق المواطن مأربه في تحقيق العدالة الناجزة التي هي أبسط حقوقه الإنسانية. وأكد رئيس نادى قضايا الدولة، أن الإبقاء على ذلك الاختصاص لا يتعارض البتة مع ما نصت عليه المادة 28 من قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، لأن التسوية التي تختص بها هيئة قضايا الدولة، تكون في المرحلة السابقة على رفع الدعوى أمام محاكم المجلس. وأضاف أنه إذا لم يتوصل الطرفان إلي التسوية المنشودة، ولجأ المواطن للقضاء ظهر دور هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة، ليباشر دوره فى اقتراح التسوية ولا تعارض بين الاختصاصين لاختلاف مرحلة كل منهما. وفجر المستشار «أحمد خليفة» مفاجأة مثيرة فى هذا الصدد، بأن هذا النص لم يفعل بمجلس الدولة إلا خمس مرات منذ إنشاء مجلس الدولة عام 1946، نظرا لتراكم القضايا أمام محاكم المجلس، الأمر الذى يؤكد أن الواقع العملى لا يمكن مجلس الدولة من إجراء التسوية. وقال رئيس نادى قضايا الدولة، إننا كنا نأمل من لجنة العشرة إعادة الاختصاص بالفتوى لهيئة قضايا كما كان عليه الحال قبل إنشاء مجلس الدولة، حتى لا يكون قاضى مجلس الدولة خصماً وحكماً في ذات الوقت، وبالتالى يتعارض كون مستشار المجلس مفتياً وقاضياً فى آن واحد. وأوضح أن ذلك يخالف أبسط قواعد العدالة، إذ كيف يفتى أعضاء مجلس الدولة، للجهات الإدارية التي تمثلها هيئة قضايا الدولة، وفي اليوم التالي يعرض على مستشار المجلس الفتوى التي أصدرها، وحتى على زملاء له في ذات المجلس على المنصة؟! وناشد المستشار «أحمد خليفة» لجنة الخمسين التى تفتتح أولى جلسات عملها، إعادة النظر فى بعض التعديلات الدستورية المقترحة من لجنة العشرة، وإعلاء مصلحة الشعب المصرى فيما يتعلق بحقه الأصيل فى تحقيق عدالة ناجزة، وأن تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر الهيئة بشأن نص المادة 179 من الدستور المعطل بعدم تعديلها. من جانبه، أوضح المستشار عبدالله قنديل، رئيس مجلس إدارة نادى مستشارى النيابة الإدارية، أنه يتحفظ على بعض المواد التى عدلتها لجنة العشرة، وعلى رأسها المادة 167 المقابلة للمادة 180 من دستور 2012 المعطل. ووجه التحفظ، سلب اختصاص أصيل من هيئة النيابة الإدارية، باتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة لمعالجة أوجه القصور فى أداء المرافق العامة للدولة، لبسط سلطة هذه الهيئة القضائية فى استئصال الفساد الذى كان مستشرياً فى كل أجهزة ومرافق الدولة، وكان أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير 2011. ورفض المستشار «قنديل» حذف هذا الجزء المهم من اختصاص النيابة الإدارية فى مسودة لجنة العشرة، مناشدا لجنة الخمسين إعادته، تحقيقا للصالح العام، وعدم غل يد النيابة الإدارية فى مكافحة كافة أوجه الفساد المالى والإدارى بمرافق الدولة. من جانبه، أوضح المستشار إسلام إحسان، الوكيل العام الأول لهيئة النيابة الإدارية، أنه لا يوجد مبرر دستورى أو قانونى لحذف الحقوق المنصوص عليها فى دستور 2012، التى كانت توفر آليات قضائية وقانونية لحماية الحريات وحقوق الإنسان، بتيسير إجراءات المساءلة الجنائية عن هذه الانتهاكات من خلال الادعاء المباشر للأفراد، بما يضمن احترام أحكام الدستور. وطالب لجنة الخمسين بإعادة النظر فى حذف النصوص الخاصة بحق الأفراد فى اللجوء للقضاء الجنائى مباشرة، فى حالة وقوع اعتداء على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور المعطل، واختصاص المجلس القومى لحقوق الإنسان بالتدخل فى الدعاوى المدنية المترتبة عليها، وهو ما استحدثته المادة 80 من دستور 2012. وطالب لجنة الخمسين، ببسط الحماية الدستورية ضد الفصل بكافة أنواعه، بحظر توقيع عقوبة الفصل بصفة عامة إلا فى الأحوال التى يحددها القانون. وأشار إلى أن مسودة لجنة العشرة فى المادة الثالثة عشرة، قصرت الحماية الدستورية على نوع واحد من أنواع الفصل من الوظيفة، وهو الفصل بغير الطريق التأديبى! كما طالب بإعادة النظر فى حذف نص المادة 170 من الدستور المعطل الخاص بحظر ندب القضاة إلى الجهات الإدارية، الذى يكفل الاستقلال الكامل للقاضى عن جهة الإدارة، أثناء مباشرته لعمله القضائى، بما يحقق الفصل الواجب بين السلطتين التنفيذية والقضائية.