منذ لحظة فض اعتصامي رابعة والنهضة شنت القوي الكبري الخارجية هجوماً عنيفاً علي مصر، واتهمت الجيش المصري بالتواطؤ علي الشعب، معتبرين أن ما حدث هو استخدام مفرط للقوة ضد معتصمين سلميين، وكأنهم ينتظرون اللحظة التي يمارسون فيها ضغوطاً علي الدولة المصرية وذلك خدمة لمصالح تلك الدولة التي انحازت للخطاب الإعلامي المحرض ضد مصر الذي كان له الأثر الكبير في توجيه اتهامات لها بأنها معادية للديمقراطية. وبالرغم من الجهود المكثفة التي تبذلها وزارة الخارجية ودبلوماسييها في عدد كبير من دول العالم لتحسين صورة مصر في الخارج، وشرح التطورات التي طرأت علي الساحة المصرية في أعقاب ثورة 30 يونية، إلا أن الخبراء والمتخصصين أكدوا أن هذه الجهود غير كافية، ولم تنجح في الحصول علي الموافقة الصريحة من دول العالم علي وصف ما يحدث في مصر بأنه ثورة شعبية، وإنما لا تزال في المنطقة بين الإدانة والموافقة الصريحة. كذلك التحرك نحو المناطق الأكثر تأثيراً لتحقيق التوازن مثل روسيا والصين والاهتمام بالمحور الأفريقي والإسلامي ودول عدم الانحياز، مؤكدين ضرورة وجود رؤية جديدة للسياسة الخارجية تقوم علي التوازن الدولي وفك روابط التبعية الأمريكية وأوروبا لأنها التحدي الذي يواجه مصر حالياً. حول قضية إعادة ترتيب أوراق السياسة الخارجية والانفتاح أكثر حول العالم الخارجي وتنشيط الإعلام والدبلوماسية المصرية لتكون أكثر تفاعلاً في كشف الحقائق والملابسات حول دور الرئيس المصري والحكومة الانتقالية في حماية الثورة الثانية.. كان هذا التحقيق. يقول السفير أحمد الغمراوي، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية رئيس المنتدي الثقافي المصري: للأسف الشديد فإن الإعلام المصري ومصادر المعلومات غير موثوق بها في الخارج لأنها غير مقنعة ومشوهة، ولابد من إعادة الثقة المفقودة منذ عشرات السنين، مشيراً إلي أن هناك ثورة إعلامية ومعلوماتية واسعة الانتشار وقادرة في زمن قياسي علي توصيل المعلومة للخارج والداخل والتأثير علي الرأي العام.. وأوضح أن هناك وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي التي حركت المياه الراكدة في ثورة 25 يناير التي بدأت بالشباب الذي تواصل مع بعضهم عبر الإنترنت وتبادلوا الآراء حتي بدأوا الثورة علي نظام مبارك. واقترح «الغمراوي» تفعيل مجموعات من الشباب لهم القدرة علي التواصل مع الخارج بكل اللغات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإقناع الرأي العام الخارجي الدولي الذي شن هجوماً عنيفاً علي الدولة المصرية لتعتيم الصورة وتشويهها وإيصال معلومات مغلوطة للعالم سواء من الصهيونية العالمية وتنظيم الإخوان المسلمين في العالم الذين استخدموا سلاح الإنترنت والسرعة في التأثير علي الرأي العام العالمي وشحنه ضد مصر. وأكد «الغمراوى» أن تنظيم الإخوان العالمي نجح في تشويه ثورة 30 يونية عن طريق عملائهم في الخارج ووصفها بأنها انقلاب علي الشرعية في ظل غياب تام لهيئة الاستعلامات التي مازالت عاجزة عن أداء دورها في سرعة توصيل المعلومة للعالم. وانتقد «الغمراوي» أداء الموظفين بالهيئة العامة للاستعلامات، مؤكداً أنهم ليسوا بالكفاءة والخبرة والحرفية التي يجب أن يكونوا عليها في أي هيئة استعلامات بالخارج، وشدد علي ضرورة مساندة الإعلام الحكومي بالتواصل مع الشعب وتوعيته في نشر المعلومة الصحيحة وتصحيح المعلومة المغلوطة بتفعيل دور ثورة الاتصال لمصلحة الرأي العام وأنه لابد من إعادة بناء الإعلام الحكومي من جديد والاتصال المباشر بالعالم بشكل تقني. من جهته أكد السفير أسامة العشيري، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الهيئة العامة للاستعلامات دورها يتلاشي تماماً وليس لها دور واضح ومؤثر.. وقال «العشيري»: إنه يجب أن يكون للهيئة فريق عمل متخصص في تنظيم مؤتمرات عالمية بالتعاون مع سفاراتها بالخارج وتنسيق مع الخارجية المصرية وتوثيق ما تحصل عليه من معلومات بحيث تكون مقنعة للآخرين. وطالب «العشيري» رئاسة الوزراء بتفعيل دور الهيئة وأن تلعب دوراً رئيسياً عن طريق مستشاريها بالخارج، مشيداً بالمؤتمرات التي عقدتها رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء التي ساهمت بشكل كبير - علي حد قوله - في التأثير علي الرأي العالمي وتوضيح بعض المغالطات التي وقع بها وهو الأمر الذي أثر علي بعض الدول التي قررت قطع علاقاتها بمصر لاعتمادها علي صورة مشوهة من بعض القنوات التي تعمدت الإفراط في شحن الرأي العالمي تجاه مصر واتهامها بممارسة العنف تجاه المتظاهرين السلميين. ويري «العشيري» أنه لابد من سرعة إنهاء المظاهرات والهجوم العنيف علي المنشآت ووقف نزيف الدم، مؤكداً أن استمرار هذا سوف يزيد من تأزم الموقف ليكون أكثر اشتعالاً، مطالباً الجيش والشرطة بسرعة السيطرة وعودة الأمن والأمان حتي لا يكون بداية لتنفيذ مخطط أجنبي للقضاء علي الجيش. وقال السفير أسامة العشيري: إن الجيش المصري يواجه مخططاً كبيراً بسبب الهجوم الشرس من القوي العالمية سواء الأمريكية والغربية عليه من الخارج، مؤكداً أن الجيش المصري مستهدف وكذلك الدولة المصرية. ويؤكد «العشيري» أن هناك مخططاً يتم تنفيذه حالياً من خلال الإعلام الغربي الذي يريد أن يجعل من مصر دولة القاعدة التي تؤوي الإرهابيين وبالتالي يعتبرون مصر أحد منابع الإرهاب التي يجب الحرب عليها، والتدخل بالقوة بها. وأكد السفير فوزي العشماوي، أن مصر تمر بأصعب مراحل تطورها السياسي وهي تحتاج إلي كل الجهود الإعلامية في الكتابة والشرح والتواصل ومراسلة مؤسسات الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وممثلي الأديان المختلفة وكبار المسئولين لتوضيح حقائق الأمور والرد علي الحملات الإخوانية الشرسة التي تجد من يخدمها من وسائل الإعلام الغربي والأمريكي. وأشار إلي أن أخطر ما نواجهه هو قناة الجزيرة التي تتفرغ لتزييف الحقائق بهدف إسقاط مصر في براثن الحرب الأهلية. وطالب «فوزي» أبناء مصر بالخارج بتوضيح الأمور للرأي العام الخارجي، مناشداً الحكومة بوجود مبعوثين علي أي مستوي ومختارين بعناية لدول الخليج العربي والتنسيق مع الهيئة العامة للاستعلامات والخارجية المصرية لتوجيه الشكر لدول الخليج مثل السعودية والإمارات والكويت وانحيازها لإرادة الشعب ودعمها لثورة 30 يونية وشرح تطورات الأوضاع بالوثائق والمستندات لضمان دعمها السياسي والاقتصادي في المرحلة الحرجة لمواجهة أي ضغوط أمريكية أو غربية، كذلك وجود دبلوماسية نشطة تجاه روسيا والصين والهند وبعض الدول المؤيدة لمصر. وطالب حازم عبدالعظيم، وزير الاتصالات الأسبق، وزارة الخارجية بالتحرك فوراً لأخذ موقف واضح من الصحافة الأجنبية، لافتاً إلي أن صحفهم المضللة بحاجة إلي توضيح للأمور الجارية في مصر. وقال «عبدالعظيم»: إن هناك خطراً شديداً علي صورة مصر ظهرت واضحة في الصحافة والإعلام الغربي، خاصة بعد استقالة «البرادعي» معتبرها - علي حد قوله - الطعنة في ظهر 30 يونية، مطالباً بتحرك رئيس الهيئة العامة للاستعلامات الجديد سريعاً وتوضيح سبب استقالة البرادعي التي تم استغلالها أسوأ استغلال. ومن جهتها تري الدكتورة نسمة البطريق، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن الهيئة العامة للاستعلامات ظلت فترة طويلة تعاني من تسييسها وتبث فقط المعلومات التي ترضي الإدارة السياسية، مؤكدة أنها بدأت تفيق من غفلتها وبعيداً عن سيطرة النظام الحاكم. وأكدت «البطريق» أننا نعيش حرباً إعلامية شرسة نتيجة للحرب الدولية والدبلوماسية من الخارج لغياب الدور المؤسسي المصري بعد سيطرة جماعة الإخوان عليه. وطالبت «البطريق» بتفعيل دور الهيئة العامة للاستعلامات بشرط استقلاليتها من التبعية ووجود كوادر إعلامية وفكرية تتمتع بالخبرة المهنية والحرفية والإعلامية، مشددة علي أهمية المعلومة ومدي مصداقيتها لدي الرأي العام سواء الداخلي أو الخارجي ودورها في التأثير والإقناع بحيث يجب أن تكون صادقة وقوية ومقنعة وتعمل في إطار الدبلوماسية الشعبية في الداخل والخارج.. وأشارت إلي أن الإعلام العالمي تغير كثيراً ويعتمد علي سرعة انتشار المعلومة التي يفتقدها الإعلام المحلي الذي ظل لسنوات مشلولاً يخضع للإرادة السياسية. وأشارت «البطريق» إلي أهمية دور السفارات والقنصليات المصرية في الخارج بحيث يجب أن يكون هناك تنسيق بينها وبين الهيئة العامة للاستعلامات لدعم القرارات السياسية أو الاقتصادية في البلاد، مؤكدة أن ازدهار وتفعيل دور الإعلام عندما تكون هناك إرادة سياسية صادقة واستراتيجية واضحة وهو ما يؤدي إلي تفعيل دور وظيفة الإعلام.. وقالت: إنه عندما تكون الإرادة السياسية متعثرة يؤثر سلباً علي مفهوم الدور الحقيقي للإعلام، مشيرة إلي أن الإعلام بدأ يتحرر من أي قيود منذ 3 سنوات نتيجة للأحداث السياسية الطارئة. ومن جهته طالب اللواء سيد حسب الله، عضو المجالس القومية المتخصصة، بجولات سريعة لوزير الخارجية بمساعدة القنصليات بالخارج من أجل التصدي للحملات الشرسة التي تتعرض لها المؤسسة العسكرية وذلك لإنهاء الجدل الغربي حول اعتبار ما قامت به المؤسسة العسكرية انقلاباً وليس ثورة أو انتفاضة شعبية، مؤكداً ضرورة إنهاء الجدل الذي أثير في الأوساط الدولية وأنه كان يلزم تشكيل فريق عمل من الدبلوماسيين لتوضيح الحقائق الغائبة عن المجتمع الدولي بشأن تطورات الأوضاع المصرية. ومن ناحية أخري طالبت شبكة «مراقبون بلا حدود» وشبكة «المدافعين عن حقوق الإنسان» ومرصد الحريات بمؤسسة «عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان» كلاً من المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت، والدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء ووزارتي الخارجية والإعلام ورئيس هيئة الاستعلامات باتخاذ خطوات عاجلة وفورية لتنفيذ خطة إعلامية خارجية تتواصل مع الرأي العام والمجتمع الدولي في الدول الأوروبية والأفريقية وأمريكا لكي تثبت أن الدولة المصرية ليست رخوة أو ضعيفة أو عاجزة عن مواجهة الدور الإعلامي المغرض لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي في تزييف الرأي العام الأجنبي ضد الحقائق في مصر.