قامت ثورة 1919 ضد استبداد المحتل الأجنبي لتحرير مصر من ظلم الانجليز بينما قامت ثورة 2011 ضد استبداد السلطة الوطنية الحاكمة لتحرير مصر من ظلم المصريين؟!. وإذا كانت ثورة 1919 قد حددت مطالبها في الجلاء والدستور، فإن ثورة 2011 قد خصت مطالبها في العدالة والدستور. وكانت ثورة 1919 قد أخذت تنتقل من عقد الي عقد وهي عاقدة العزم علي تحقيق مطالبها المطورة بين صراع الانجازات التي تحققها والمعوقات التي تعتورها وعلي مدي ثلث قرن من الأحداث الهائلة. لكن تطورات الطريق الذي تمهد بعد ثورة 1919 قد ساعدت علي ظهور حركة يوليو 52 كحركة عسكرية مضادة للسراي الملكي لأجل تحقيق مطالبها الخاصة بالقوات المسلحة، والأخري الخاصة بتحجيم السراي الملكي والخلاص من حاشيته الفاسدة.. قد وجدت الطريق أمامها مفتوحاً بفعل توجهات الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة طمعاً بأن تري رؤي مستقبلية لصالحها الأمر الذي شجع ضباط الحركة بالاختراق الي المقر الملكي حيث يقبع الملك ليطالبوه بالتنازل عن العرش كأقصي أمل يطمعون فيه. وكانت رغبة الشعب في التغيير جعلت الضباط يسمعون نداء الثورة كتعبير لفظي تنطق به الجماهير دونما يشكل وجوداً مادياً بين الحدث العسكري الهائل الذي خلع ملكاً هاماً في المنطقة من فوق عرشه، وتشجع الضباط بتشكيل مجلس للثورة بأمل ظهور ثورة سوف تحدث.. وفي غمار رغبة الشعب في التغيير ورغبة الضباط في استمرار استعراض القوة، وجدت الحركة نفسها قد تحولت إلي انقلاب عسكري بشكل تدريجي تسللي نحو السلطة، ولئن ظلت محتفظة بشعار ثوري تحقيقاً لرغبة نفسية لدي الشعب لا أكثر..! وأخطأ الضباط الطريق عندما قاموا بإصدار قرارات ثورية إرضاء للشعب حتي قضوا علي انجازات ثورة 1919 العظيمة عندما قاموا بإلغاء دستور 1923 »تاج منجزات الثورة« وحل الأحزاب السياسية بما فيها الوفد المصري »حزب الأغلبية.. ونبض الأمة وضميرها« وزاد الطين بلة بإعلان النظام الجمهوري الرئاسي الذي لا يصلح لمصر الفرعونية بفرض انشاء مسمي وظيفي يشغله البكباشي جمال عبدالناصر نائب الرئيس محمد نجيب من بعد، وحسب..! وتزعمت أجهزة الإرشاد القومي آنذاك بقيادة الصاغ صلاح سالم لونا من ألوان البلطجة السياسية والثقافية بأن قائد الانقلاب هو »قائد الثورة..؟!«. ورزحت البلاد تحت حكم عسكري شمولي مستبد مؤسس بديكتاتورية وطيدة، وتحت شعارات ديمقراطية زائفة..! وكان بديهياً ان ينتهي هذا الفيلم التراجيدي الزائف مع صباح »5 يونيو 1967« لتشاهد مصر عرضين جديدين وصلا الي الشاشة صدفة بعهدين آخرين من الاستبداد والفساد قام فيهما بدور البطولة الفرعونية أنور السادات فحسني مبارك.. ربما دفع الجماهير لأن تدمر دار الخيالة بأكملها لتبدأ مصر المحروسة عهداً ثورياً من النور مع صباح »25يناير 2011«. وكان المدهش للناقد الدراماتيكي ان يجد الجماهير تطالب بنفس المطالب التي طالب بها اجدادهم أيام ثورة 1919 ويقرر بحق الفكر التاريخي ان يعلن أن ثورة »25 يناير« ليست سوي استمرار لما أعقب ثورة 1919 وبأن اعوجاج سلطة يوليو هو الذي ادي الي ظهور »25 يناير« والتي جاءت لتصحح مسار النهضة التي بدأت مع بداية العشرينات أعقاب اندلاع ثورة 1919. ويروق للناقد والمقرر معاً ان يؤكد أن ثورة الأحفاد لعام 2011 ليست الا تحقيقاً لثورة الأجداد لعام 1919 أو تجديداً لها، وبأن الحفيد الصالح قد جاء من صلب ذاك الجد العظيم، كما يأسف الناقد والمؤرخ أيضاً بأن الأب قد ملأ الطريق بالضجيج والضباب حتي لم يعد الحفيد يتذكر جده العظيم بل لا يدري بأنه قد ثار من اجل الآمال التي ثار من اجلها والتي أجهز عليها هذا الأب الضال. لكن إذا كان ثوار 1919 يملكون حكمة الشيوخ فإن ثوار 2011 يملكون طاقة الشباب، فإذا ما تعانق الاثنان بوطنية تاريخية ملكا الحكمة والطاقة معاً، وربما كان ذلك هو الكمال بعينه. فإذا ما تساءل الناقد الدراماتيكي عما اذا كان ممكناً ان نصفح عن هذا الأب أجابه المؤرخ الوطني الأمين، مؤكداً أن الولاء للوطن أقوي من أي اعتبار آخر.