كثرة الوفود العربية والأجنبية التى تسعى إلى إيجاد صيغة اتفاق بين الحكومة وجماعة الإخوان، جعلت أغلبنا يستشعر أن هذه الوفود تتوسط بين دولتين جارتين لحل نزاع بينهما حول الحدود، وليس بين دولة وجماعة أغلب قياداتها من المتطرفين فكريا، المفترض أن الذين يتولون إدارة البلاد لا يسمحون بهذا، لأنه ببساطة يضعف مركزها أمام الدول الوسيطة وأمام الجماعة المتطرفة، وهذا ما حدث بالفعل، حيث سخر محمد البلتاجى على منصة رابعة مما اسماه استغاثة الفريق السيسى بالأمريكان فى حديثه لإحدى الصحف الأمريكية، ومطالبته للإدارة الأمريكية بالتدخل والضغط على جماعة الإخوان لقبول مبدأ التصالح. قد يرى البعض أن قبول الحكومة والفريق السيسى فكرة تدخل بعض الوسطاء من بلدان مختلفة لحل الأزمة القائمة، الغرض منه تعرية جماعة الإخوان أمام بلدان العالم، ومحاولة من الحكومة والسيسى لكسب الرأي العام العالمي خلفه وهو يقوم بفض الاعتصام والتصدي لهم ولعنفهم. بالطبع نحن لسنا ضد إيجاد حلول سلمية للأزمة، ولسنا مع استخدام العنف مع متظاهرين سلميين، ولسنا مع إراقة قطرة دماء لمواطن مصرى مهما كانت معتقداته الدينية والسياسية، لكن فى الوقت نفسه يجب أن نحافظ على هيبة الدولة، فمصر أكبر بكثير من الذين يقومون على إدارتها ومن الذين يرفعون راية الإسلام هو الحل، وهيبة الدولة ينال منها حمل البعض السلاح، او احتلال البعض لميادين او شوارع، وينال منها أيضا ضرب البعض بقوانينها وأعرافها وثوابت شعبها عرض الحائط، وقد سبق وطلب الفريق السيسى التفويض بالتعامل مع العنف والإرهاب، ومنح هذا التفويض بشرط أن نحافظ على الفقراء والبسطاء من عامة الناس، وبشرط أن نميز بين من يخططون ويحرضون ويستخدمون العنف وبين من لا حول ولا قوة لهم، وكنا نظن أن السيسى ومن معه فى الحكومة يمتلكون الخطط اللازمة لفض الاعتصامات، لكن للأسف مرت الأيام ولم نلمس أى تحول على الواقع لصالح الحفاظ على هيبة الدولة، بل على العكس ازدادت الجماعة قوة وعنفا وشراسة فى خطابها السياسى وفى أفعالها بالميادين والشوارع، حتى أن أغلب من فوضوا الفريق السيسى شعروا بالإحباط واليأس، وأصبح أقرب للتصديق بأن ثورة 30 يونيو سوف يتم إجهاضها، وأن جماعة الإخوان بمساندة أصحاب التيار المتأسلم سوف يعودون بعقارب الزمن إلى الخلف، وأن البلاد على وشك الخضوع لجميع أو معظم مطالب التى أعلنتها من فوق منصة رابعة العدوية، كما أصبح البعض من الناس أقرب للتسليم بعودة محمد مرسى والشاطر والعريان والبلتاجي وصبحي صالح والزمر وعبد الماجد وغيرهم إلى المشهد السياسي، وإلى تشكيل حكومة أو المشاركة فى تشكيلها، وذلك أثر التصريحات التى صدرت من بعض المسئولين وقيل فيها إنهم عرضوا على جماعة الإخوان المشاركة في الوزارة بحمل بعض الحقائب مقابل فك اعتصامي رابعة والنهضة. الوضع في مصر خاصة فى ظل وصول العديد من الوفود إلى القاهرة بغرض التوسط بين دولة مصر العربية ودولة الإخوان المتأسلمة، يدفعنا إلى الإحباط الشديد، كما يضعنا فى قلب سيناريوهات قد تعيد جماعة الإخوان المتأسلمين للمشاركة فى الحكم تحت عناوين التوافق والوئام والمصالحة العامة وغيرها من المسميات التى كرهتها الأغلبية وخرجت لتغييرها فى 30 يونيو. استدراك: اتصل بى بعض الأصدقاء بعد مقالى الذى انتقدت فيه تصريحات د.محمد البرادعى التى يفتح فيها الباب للتصالح ومشاركة جماعة الإخوان فى الحكم، وقالوا لى: إن توجيه اللكمات العنيفة فى وجه وقلب الدكتور البرادعى فى هذا التوقيت يخدم على طرفين، الأول جماعة الإخوان التي تضمر له كراهية شديدة، والثانى التيار الناصرى، حيث ان اليسار المصرى ينتظر بفارغ الصبر اللحظة التى يضرب فيها الدكتور البرادعى الضربة القاضية لكى يحتلوا صدارة المشهد السياسى، وقالوا أيضا: إن اليسار المصرى قد تولى مقاليد البلاد لأكثر من خمسين سنة، واليوم بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المتأسلمين يحاولون القفز مرة أخرى على السلطة، وذلك بمساعدة أغلب العاملين فى الميديا، حيث ينتسب معظمهم إلى اليسار المصرى.