هل يتحول الرئيس المعزول محمد مرسى إلى إمام غائب يمكن أن تعلن أجيال مقبلة من المنتمين لجماعة الإخوان انتظار عودته؟ الأمر ليس مستبعدا. وهناك تجربة مشابهة يمكن القياس عليها فى الإسلام يمثلها الشيعة الإمامية والذين يعتقدون بعودة الإمام الثانى عشر إثر اختفائه منذ 12 قرنا، وأنه سوف يظهر ثانية عندما تسوء الأمور فى آخر الزمان. هل يصبح الفريق أول عبد الفتاح السيسى «المخلّص» الذى انتظر المصريون قدومه على مدى قرون وخاب أملهم ولم يشف غليلهم بتحقق هذا الأمل شخصية مثل عبدالناصر التى أرتبط حكمها بالعديد من الأخطاء؟ ربما، رغم أن الوقت مبكر لتحديد سيناريوهات وضعه فى العقل الجمعى المصري. فمن يتابع مجريات المشهد السياسى الراهن يلمس بسهولة محاولة كل طرف من طرفى المواجهة الجارية فى الساحة الآن صناعة «أيقونة» من الشخص أو القائد الذى يرمز للتيار الذى يناصره. والمشكلة فى صناعة الأيقونات - ومفهومنا للأيقونة هنا.. بعيدا عن تعقيدات التعريفات العلمية لها.. الرمز الذى يجرى تقديسه - أنه يتم خلالها فى غالب الأحوال تغييب العقل واللعب على الجانب الإيمانى والنفسى لدى المتلقى بما يجعله ينساق طوعا وراء أيقونته ويبذل الغالى والنفيس من أجل ما يراه ينال منها. قد تبدو الصورة أكثر وضوحا بخصوص الحديث عن مرسي.. والذى أصبح بحق أيقونة التيار الإسلامى الذى تعيش مصر بسببه حالة من الانقسام وعدم الاستقرار ربما لم تشهدها من قبل. فمصر كلها تقف على قدميها الآن بسبب غيابه أو تغييبه.. متابعة سريعة لمسيرات أنصاره واعتصاماتهم فى رابعة والنهضة وصوره التى يرفعها الصغار والكبار من مؤيديه توحى بأن مرسى هو القائد الذى ليس بعده قائد. لا نريد الدخول فى متاهة تحديد موقف مما حصل خلال 30 يونية وما قبله وبعده فقد سجلناه من قبل ويمكن لمن يريد مراجعته.. ولكن التعمق فى شخصية مرسى سواء من خلال سيرة حياته قبل ثورة يناير أو بعدها.. قبل انتخابه رئيسا أو بعدها.. لا توحى بأنه يملك من الصفات ما يمكن أن يجعله الزعيم الملهم أو غير الملهم الذى يمكن أن يقود وطن فى مرحلة حرجة أو غير حرجة من تاريخه. ليس ذلك تقليلا من شأن الرجل، فعلى المستوى الإنسانى أشعر، وأظنك كذلك، بنوع من التعاطف معه، ولكن كرئيس لا بد لمن يمتلك ولو مقداراً محدوداً من الفهم أن يكون له موقف مختلف. لقد فشل مرسى بامتياز خلال فترة حكمه التى لم تتجاوز العام.. ويستحق فشله أن يقدم كنموذج ل «النجاح فى الفشل». صحيح أن هناك عقبات كؤود وضعها البعض أمامه لإفشاله باعتباره يمثل تيارا يواجه الرفض من قبل قطاعات فاعلة فى المجتمع المصرى وخاصة فى نخبته، إلا أن الرجل لم يقدم بصمة ذات قيمة على صعيد أدائه الرئاسى تجعل منه الرمز الذى يستحق البكاء عليه، وهذا هو المهم ويمثل جوهر اعتراضنا على محاولة تحويله لرمز نضحى بمستقبل وطن من أجل عودته، مهما كان الإيمان بصحة الموقف السياسى المتعلق بقضية التيار الذى يمثله، ودون ابتذال فلعل أفضل توصيف لموقف مرسى هو العبارة القائلة بأنه ليس سوى «بطل رغم أنفه». على المنوال ذاته وإن بشكل مختلف تجرى محاولة أخرى لصناعة أيقونة من السيسي.. ومع كل التقدير لما قام به الرجل حتى الآن، رغم وجود خلافات بشأن ما أقدم عليه وانطلاقا من فرضية أن دوره جاء على خلفية الخروج بمصر من مأزقها، إلا أن ذلك ليس مبرراً بأى حال لتلك الحالة التى انتابت الكثيرين لتصويره على أنه النور القادم من السماء لإنقاذ مصر من حالة الظلام والعتمة التى كانت تعيشها. لقد وصل الأمر بالبعض فى معرض تشكيل «الأيقونة السيسية» إلى وضع وزير الدفاع فى حالة حرجة دعت المتحدث العسكرى للتدخل أكثر من مرة.. حين راحوا يطالبونه بالترشح للرئاسة واعتباره رئيس مصر القادم بشكل كان يتيح لخصومه الغمز واللمز لجهة التشكيك فى أبعاد ما جرى خلال 30 يونية وما بعدها.. وكانت المأساة حين راح البعض يروج لفكرة أن السيسى يمكن أن يفوز فى انتخابات الرئاسة بالتزكية نفيا لكل منحى ديمقراطى كنا نأمل أن نشهده بعد 25 يناير. بل إن إحداهن كادت أن تعيدنا لعصور المحظيات التى انقرضت بسبب انفعالها بالسيسى ومواقفه. ولم يدر الذين راحوا يرفعون السيسى لمصاف كونه رجل هذا الزمان أنهم بتأكيدهم على أنه قائد الثورة الحقيقى إنما يعززون مواقف الخصوم الذين يحاولون النيل مما جرى فى 30 يونية ووصفه بأنه انقلاب. وكان من غير الموفق، رغم الإقرار بحسن النية، خروج البعض بأغنية تعيد لذاكرتنا حقبة سيئة ثرنا عليها فى يناير هى «فوضناك» والتى شابهت أغنية «اخترناك» التى غازل بها البعض نفاقا الرئيس الأسبق مبارك. أدرك حالة الاستقطاب الحادة التى نعيشها الآن بشكل يجعلنا كشعب منقسمين إلى فسطاطين سياسيين وليسا دينيين.. فسطاط الإخوان والتيارات الإسلامية.. وفسطاط الدولة والتيارات الليبرالية.. دون محاولة قبول فكرة أن الحياة بها من «الفساطيط» أو الألوان ما يتجاوز الأبيض والأسود.. غير أن الكلام فى بعض الأحيان قد يكون أفضل من الصمت. ولسنا فى زمن نلزم فيه البيوت تجنبا للفتنة التى فرضها الفضاء المرئى المعلوماتى فى كل بيت.. وهو ما يجعلنا نؤكد أنه ليس بصناعة الرموز وتقديسها تتقدم الأمم وإنما بالتفكير الحر الخلاق الذى تمثل الديمقراطية الرافعة الأولى والأساسية له.. ففى ذلك، شئنا أم أبينا، خلاصنا الوحيد!