إن كل هذه الدماء التي يتم سفكها في الفترة الأخيرة، أراها معلقة برقبة الشيخ الفقيه الإخواني ولجنته لوضع التعديلات الدستورية، التي طالبه بتشكيلها المجلس العسكري آنئذ عقب سقوط نظام مبارك وبرلمانه وحزبه وحكومته ودستوره. نعم، يتحمل طارق البشري وزر كل تلك الدماء، هو وجماعته الإخوانية النائمة (التي تُستدعى في لحظات الضعف والوهن الإخوانية فتقدم كل ما من شأنه دعم وإعانة القيادة الكونية لجماعة الشر).. إنه وجماعته من دفعوا في اتجاه ضرورة التقنين والتنظير لصالح فئة واحدة صغيرة، فكانت الموافقة على إقامة «أحزاب بمرجعية دينية»، التي أثمرت موقعة الصناديق والانقسام الأول الحاد في بنية المجتمع المصري.. إخوان (التفكير والتخطيط والتدبير) وجماعات التشدد (التكفير والإيذاء والترويع) على طريقة الزعيم عادل إمام في مسرحيته الشهيرة عند توزيعه الأدوار على عناصر جماعة الشغب المدرسية، فقال لمنافسه المشاغب القوي الجاهل «إحنا بنكمل بعض يامرسي أنا «المخ» وأنت «العضلات»، وكان تديين الانتخابات وفوق البيعة تموين الغلابة زيت وسكر والذي منه، وبداية الصراع الدموي وصولاً لكراسي الحكم ووضع الدستور «الوكسة»، والتمكين وتوجيه الضربات للحلقات الأضعف. في زمن «مرسي» صار صوت المرأة «عورة» وصورتها كمرشحة تستبدل بوردة، والثائرات يُسحلن وتكمم أفواههن في ميادين التحرير والحرية، ووصولاً إلى ما قيل عن «جهاد النكاح» في موقعة الجهاد الأعظم في إشارة رابعة العدوية وأمام تمثال «نهضة مصر»، وتعمد الإخوان أن تكون المرأة في مقدمة صفوف المظاهرات وكأنهن بمثابة دروع بشرية لحماية كل خائف مرعوب.. هكذا فُعل بالمرأة المصرية صاحبة الدورالأبرز والأعظم في كل مشاوير الجهاد الثورية بروعة وفدائية ووطنية نبيلة! في زمن «مرسي» تم التنكيل بالفنان والمبدع وضرب منتجه الإنساني.. في زمن «المعزول» كان تنقيب تمثال «أم كلثوم» وتكسير تمثال «طه حسين» وتغطية تماثيل ميادين، وتكفير رجال فكر وثقافة ومعرفة، ونكاية فيهم تم تعيين وزير ثقافة إخواني استهل خدمته باستبعاد قيادات الوزارة، ولكن كانت وقفة رموز التنوير في مصر رائعة عبر تنظيم اعتصام على باب مكتبه انتهى بثورة 30 يونية ورحيله قبل أن يدخل مكتبه في حادثة غير مسبوقة أبدعها رموزنا في الوزارة ليعلنوا انتصارهم على جماعة أهل الكهف، ومن كانوا نزلاء زنزانات العقاب على كراهية البشر والحق والخير والجمال والإبداع والنور والسماحة والتعايش والسلام. أما المواطن المسيحي، فقد ناله النصيب الأوفر في زمن حكم الإخوان، وهناك العديد من الحوادث التي تعرض لها الأقباط، أخطرها ما تعرضت له الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية في إبريل الماضي، حينما تم إطلاق أكثر من 50 قنبلة غاز مسيل للدموع، وعشرات من طلقات الخرطوش، في ظل اشتباكات بين مسلمين وأقباط على خلفية توديع جثامين ضحايا الخصوص، وهي الواقعة التي قال عنها البابا تواضروس الثاني إنها «تعدت كل الخطوط الحمراء». ورغم كل ذلك كان استقبال المواطن المسيحي للحلقات الأخيرة من برنامج «هنا القاهرة» للكاتب والإعلامي الوطني النبيل والمثقف الرائع ابراهيم عيسى بامتنان، فقد ربت بكلامه على كتف المواطن المسيحي مبلسماً جراحه بكل حب. إنني كمواطن مسيحي أرى أن كلام عيسى قد نزل برداً وسلاماً على نفسي المجهدة المتعبة، وهو يناشد رئيس الحكومة «إنكم وأنتم تعملون لبسط الأمن ،لابد من العمل الجاد لحماية أقباط مصر لأنهم يعانون منذ رحيل مرسي من اعتداءات إرهابية غير مسبوقة وحوادث قتل وهدم لكنائس، بزعم أن الأقباط هم من أسقطوا مرسي.. يكفيهم ما عانوا في أحداث ماسبيرو.. يا رئيس الحكومة كنائسنا المصرية لا يتم تمكينها من إقامة الصلوات في أمان.. رجع مظلوميهم إلى بيوتهم ورد لهم حقوقهم». وفي مقطع آخر من حلقة تم بثها بعد ثورة 30 يونية: «إنني أقبل رأس كل مصري، وأنتهز الفرصة لأعرب عن امتناني للمواطن المسيحي الذي عانى عبر كل تلك المراحل الانتقالية الأخيرة من أحداث صعبة، وصدرت بحقه فتاوى كارثية مهينة، ولم يلجأ الأقباط للاستقواء بالغرب، بل خرجوا في ظل تهديدات هائلة لميادين التحرير.. لقد أثبت المسيحي المصري أنه مواطن شجاع وجسور وأكثر مصرية من مكفريه الذين يهرولون الآن للاستقواء بالغرب!». نعم، محتاجين أن نطبطب على بعض ونبلسم جراح بعض وتطييب خواطر بعض يا أهل المحروسة.