للقاهرة خصوصية لا تشبهها مدينة في العالم، فهي بسمة المدن وضحكة البسطاء وقلب مصرالعروبة النابض، بناها جوهر الصقلي سنة 359 للهجرة حينما سيطر الفاطميون على مصر لتكون عاصمتهم فكانت عاصمة الدنيا، بناها شمال موقع مدينة الفسطاط أول عاصمة إسلامية لمصر والتي بناها عمرو بن العاص سنة 22 للهجرة مع دخول العرب إلى مصر بالقرب من مدينة ممفيس القديمة التي بنيت نحو سنة 3100 ق .م وكانت أول عاصمة لمصر القديمة . يقال إن أسمها جاء نسبة إلى اسم “نجم القاهر” الذي ظهر في السماء عند بدء بنائها فكانت القاهرة عاصمة الدنيا وقطب المحبة ومدينة السحر الشرقي الخالص وجوهرة الشرق الفريدة التي لا تشبهها مدينة في الدنيا سوى القاهرة . تجد في القاهرة كل السحر والابتسامة والصفاء والمتعة والسرور، فإذا كنت محباً للآثار فستجد الآثار الفرعونية والرومانية والمسيحية والإسلامية مجتمعة في قطب الدنيا شاخصة للعين شاهدة على العراقة والأصالة وتاريخ شعب لا يمل من صناعة المختلف والجميل مهما تعاقبت عليه المحن . ستجد شجرة مريم والكنيسة المعلقة بجوار مسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر وقلعة صلاح الدين محرر القدس الشريف وستجد الحديقة اليابانية بجوار المتحف المصري والمتحف الإسلامي والمتحف القبطي وستجد متحف محمد علي يتطلع لبرج الجزيرة ودار الاوبرا تحت حراسة أبي الهول ذلك الأسد الرابض بشموخ على مر الزمن ومن خلفه الأهرامات التي تعد إحدى عجائب الدنيا السبع . هذا للتاريخ أما للثقافة فستجد 13 قصراً و 15 بيتاً مع 50 مكتبة عامة و27 مكتبة للمهرجانات، إضافة إلى آلاف المكتبات والاكشاك التي تبيع ما لذ وطاب من الكتب الجديدة والقديمة . أما إن تجولت فإنك إن انطلقت من خان الخليلي فعرج على مسجد الحسين والسيدة زينب فحدائق القبة والمقطم والمطرية وعين شمس وحي الموسكي وحي النزهة وبلا شك ستسحرك قهوة الفيشاوي حيث كان يجلس الأدباء والكتاب والمفكرون، ولا تنس أن تدندن مع سيد درويش وسيدة الشرق أم كلثوم والعندليب عبدالحليم حافظ وأنت تستمع إلى الطرب العربي الأصيل . إن للقاهرة سحراً خاصاً فأنت تستطيع أن تضبط ساعتك عليها فهي المدينة التي لا تنام وتصنع الفارق في البهاء والحضور في النفس والخاطر، فمنذ أن كانت وهي حاضرة الشرق وقلبه النابض فمهما اعتراها من وهن ومرت عليها من عواصف وأهوال تعود سيدة المدن بكبرياء الكبار وعز الرجال فهي تتوسد نهر من أعظم أنهر العالم “ نهر النيل “ العظيم والذي يقال أنه ينبع من الجنة . عرفنا القاهرة ومصر حينما كان يُدرسُنا الإخوة المصريون على زمن الزعيم جمال عبدالناصر فعرفنا صدق العروبة وعراقة التاريخ والفكر والأدب وتعرفنا إلى أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعبقريات العقاد وبصيرة طه حسين، وهتفنا باسمها في حرب التحرير في رمضان/ أكتوبر التي أعادت للعرب شيئاً من الكبرياء والشمم والعزة والكرامة، وزرناها فوجدنا البساطة والبشاشة والنبل وعرفنا الطيبة والنكتة التي تخرج من القلب لتملأ كل القلوب بالابتسامة الصافية، وأقمنا فيها فوجدنا كل الترحاب وكأننا من ناسها وأهلها، وصنعت لها في القلب حضوراً لا يضاهيه حضور، وكما يقال من يشرب من ماء النيل لا بد أن يعود إليه، لذا مهما نأت بنا المسافات وأخذتنا الظروف والمشاغل لابد من عودة للقاهرة لنغسل النفس والقلب . القاهرة عاصمة الدنيا كما هي مصر أم الدنيا مهما مرت عليها النكبات ومهما كبلتها قوى التعصب البغيضة تعود كما كانت جنة الله في أرضه، وأرض الفكر والمعرفة والعطاء . نقلا عن صحيفة الخليج