التظاهرات غير المسبوقة في التاريخ البشري التي شهدتها ميادين مصر وشوارعها، لو زحفت باتجاه القصر الرئاسي لما احتاج الأمر إلى تدخل من الجيش والأزهر والكنيسة وعدد من القوى السياسية لوضع خريطة الطريق التي أنهت الأزمة بعزل محمد مرسي وإنهاء نظام الإخوان، وبدء فترة انتقالية جديدة من المفروض أن تمهّد لتصحيح مسار انتفاضة 25 يناير، بما فيه مصلحة مصر الشعب والدولة، وليس تبديل وجوه بوجوه، وبما يفضي أيضاً إلى إعادة مصر إلى دورها القيادي عربياً وإقليمياً، والفاعل دولياً . الإخوان المسلمون مازالوا غير مسلّمين بالتغيير الذي حصل، ويعدون محمد مرسي رئيساً شرعياً، وهذا حقّهم الطبيعي الذي لا يستطيع أحد أن ينزعه منهم . إذا كانوا لا يريدون المشاركة في صياغة المرحلة الانتقالية، فهذا يعني أنهم أقصوا أنفسهم، وهذا من حقّهم أيضاً، وإذا كانوا لا يريدون المشاركة في الانتخابات المقبلة، فهذا خيارهم وجزء من اللعبة الديمقراطية ذاتها . لكن في مثل هذه الحالات يبرز السؤال الكبير عن الوسائل الصحيحة والمشروعة للوصول إلى الغايات، أما العلاقة بين الغاية والوسيلة فهي معروفة وتحوّلت إلى مقولة دارجة تزعج ميكافيلي في منامه الأبدي . جيد أن يكرّر بعض المسؤولين في “الإخوان” تأكيدهم سلميّةَ التظاهرات، فهذا فيه خير مصر وخير جماعتهم نفسها، وفيه تصحيح لمواقف تحريضية صدرت عن قادة الجماعة بمن فيهم المرشد العام، وكانت نتيجة ذلك التحريض دماء عزيزة من الطرفين . ومن هنا فإن الخيارات أمام “الإخوان” ليست مفتوحة كثيراً إذا فضّلوا التمسّك بما يعدونه شرعية، فهم في حقيقة الأمر يواجهون الأغلبية الساحقة من الشعب، مع التذكير بأن الأغلبية الناخبة ليست أغلبية شعبية . وهم أيضاً يواجهون قوى سياسية مدنية عديدة بعضها وازن وفاعل قاربت نتائجه الانتخابية نتائج مرشّح “الإخوان” . وهم أيضاً يواجهون الجيش المصري . إنها مواجهة مركّبة، وبالتالي لا خيار لإدارة معركة كهذه، سوى المنهج السلمي الشعبي الذي يعني بوضوح تجنّب الاحتكاك بين متظاهري الطرفين، ويعني أيضاً مخاطبة قادة الإخوان للمتظاهرين من أنصارهم بعدم مهاجمة مؤسسات الدولة، لأن من الطبيعي أن يدافع الجيش والشرطة عن هيبة الدولة، وأن يتدخلا لمنع الفوضى والفلتان الأمني . لا شك في أن قادة جماعة الإخوان وكوادرها وعناصرها يتابعون أخبار التصعيد الإرهابي في سيناء، وهم يكررون إدانتهم للهجمات التي يشنّها مسلّحون على المراكز الأمنية ونقاط التفتيش، بل إن مواطناً تعرض للخطف وقطع رأسه، وهذا أسلوب غير مسبوق في تاريخ مصر ومستورد من مناطق أخرى . هذا تطوّر خطر يتطلب ارتفاع حس المسؤولية لدى جميع القوى السياسية في مصر، وفي مقدّمهم “الإخوان” الذين يتخذ المسلحون مواقفهم غطاء لتنفيذ هجماتهم الإجرامية على أبناء مصر في القوات المسلّحة والشرطة، وفي منطقة حساسة هي سيناء التي يضعها العدو الصهيوني نصب عينيه، بل إن بعض قادته جاهروا بالدعوة إلى إعادة احتلالها بذريعة فقدان الجيش المصري سيطرته عليها . الوضع في مصر إما أن يتّجه إلى الهدوء والنهوض وإعادة البناء، وإما أن ينحدر إلى الفوضى والاحتراب الداخلي . أي الخيارين سيسود؟ هذا يعتمد على سلوك “الإخوان” . كل عربي يحب مصر يأمل بأن يحافظ الحراك فيها من أي طرف على سلميته، حتى تعود مصر كما كانت، ويشارك كل أبنائها في بنائها . نقلا عن صحيفة الخليج