أسعدني أن تطالعنا الأخبار السيارة في الصحف مُطالبة القوى السياسية والثورية ممن شاركت في ثورة 30 يونيو بحل الأحزاب التي ثبت استخدامها أو ممارستها العنف، وكذلك الأحزاب التي أنشئت على أساس ديني أو طائفي وعلى رأسها «الحرية والعدالة» الإخواني و«النور» و«البناء والتنمية» و«الأصالة» مع التأكيد على ضرورة حظر إنشاء هذه الأحزاب في الدستور الجديد، وأتفق تماماً مع ما صرح به المناضل البارز أحمد بهاء الدين شعبان: «إن جزءاً أساسياً من الخراب الذي حل بمصر مؤخراً كان بسبب انتشار الأحزاب التي تدعي الحديث باسم الدين، وأثارت وحركت موجات التطرف والعنف وقادت البلاد إلى حافة الحرب الأهلية وقسمت مصر إلى سنة وشيعة ومسلمين وكفرة»، وأعلم أن هناك قضايا مرفوعة لحل عدد من تلك الأحزاب لمخالفاتها العديدة. وبقدر ما أسعدني تلك الانتباهة واليقظة، أدهشتني تصريحات د. حازم الببلاوي رئيس الوزراء: «المرحلة القادمة لن تشهد إقصاءً لأحد، وقد نرى في الحكومة الجديدة وزراء من الحرية والعدالة».. وكأن الأمر محاصصة على الطريقة الشامية، وأيضاً وكأن الرجل لا يعلم أن قيادات الحزب مطلوب معظمها للمثول أمام العدالة، فضلاً عن وجود قضايا تتهم الحزب بمخالفات يدعي من رفعها أنها تستلزم حل الحزب (فضلاً عن نكتة وجود جماعة وحزب وجمعية في حالة غير قانونية لا ينبغي استمرارها، بل ومحاسبة الوزيرة التي منحت ترخيصاً بجمعية لجماعة محظورة)، لقد تم حل الحزب الوطني في الأيام الأولى بعد ثورة 25 يناير لإسقاط نظام مبارك ودون انتظار لأن الجماهير رأت فيه وكراً للفساد السياسي والاستبداد واحتكار السلطة وباباً ملكياً للتوريث، فما بالنا بحزب أعلن قادته الجهاد في سبيل الإخوان (أمتني يا الله إخوانياً) على شعبنا العظيم في ميادين الحرية.. ويا سيدي دولة رئيس الوزراء ما هكذا تكون المصالحة الوطنية للتقرب لفصيلهم على حساب مصالح الوطن العليا! والأغرب خروج أحمد المسلماني المستشار الإعلامي ليؤكد أنه لا محاصصة في تشكيل الوزارة الجديدة ليذكرنا بحالة ارتباك تصريحات الإخوان وتناقضها بين ياسر علي ورئيسه ورئيس وزرائه.. ويارب نتخلص بسرعة من حالة الارتباك، أو لا داعي لوجود متحدث إعلامي وكل واحد وشطارته! والحقيقة، أبدي تعجبي من البعض الذي غضب من تأكيد المستشار طارق البشري ورئيس لجنة التعديلات الدستورية إبان ثورة يناير على أن كل ما يحدث الآن سواء واقعة الحرس الجمهوري أو ما نشاهده الآن هو أثار ترتبت على الانقلاب العسكري، ولا حل إلا بأن ينتهي هذا الانقلاب، وكان الأولى احترام الإرادة الشعبية والدستور الجديد (وكأنه لم يكن الفقيه الذي كتب صفحة جريدة كاملة يفند عدم شرعية قرارات وإعلانات مرسي، فهل من يصدر غير الشرعي يمكن اعتماد شرعيته بعد خروج نصف الشعب المصري بشرعية شعبية وهي الأعظم لو يدري معاليه ليعلن إسقاطه؟!).. وتعجبي ليس فقط لأن الرجل انتقل بمراحل تحول عديدة متناقضة، فلا غرو أن الرجل الذي قدم للمكتبة المصرية والعربية مؤلفات تحدثنا عن أهمية تماسك الجماعة الوطنية، وتقديم مفهوم متحضر للمواطنة إلى رئيس لجنة لوضع تعديلات دستورية في مرحلة فارقة في حياة أمتنا وبعد ثورة رائعة، فإذا به يطيح بأهمية المواطنة وضرورة تماسك الجماعة الوطنية باعتماد وتمرير فكرة إنشاء أحزاب بمرجعية دينية التي ما زلنا نعيش تبعاتها المؤلمة على أبواب الحرس الجمهوري وتحت العمارات التي يلقى من أسطحها شباباً في عمر الورود.. سامح الله معالي الفقيه البشري الذي أطلق شرارة حدوث أول موقعة للتطرف «غزوة الصناديق» وحتى تم تسليمنا للمستشار الجليل الغرياني وحدوتة وضع أعظم الدساتير، وكيف قال لعضو اللجنة التأسيسية: لو ناقشنا المادة دي هنقعد كمان أربع أيام، وعندما خرجت الكنيسة والأزهر وأعداد هائلة من عضوية اللجنة استقدم بدلاء لم يحضروا أو كان لهم أي قدر من معايشة بناء الدستور ليكمله في ليلة سوداء في عمر الأمة، وفي مجال العصف باحترام حقوق الإنسان، فكانت المكافأة تولية الرجل رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان ، وزغردي يا اللي انتي مش غرمانة. والآن تُخرج لجنة وضع الإعلان الدستوري بمواد يغازل واضعها الأحزاب الإسلامية المتعاطفة مع الإخوان وغير راضية على ماوقع لها، وتجهز نفسها لاعتلاء عرشها العظيم، فتعلن غضبها بمرجعية دينية، وترد الكنيسة بغضب المسيحي المقهور الذي انتفض مع جماهير 30 يونيو رفضاً للاستبداد باسم الدين.. ولنستمر في دوائر صراع لا تنتهي. يارب بحق الدماء المسكوبة وباسم الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية ورموزهما..(الشعب لا يريد لا «بشري» تاني ولا «غرياني»).. يارب بحق صيام شهر رمضان المبارك وصوم رسل المسيحية الأبرار، كمل للشعب فرحته.