8 شخصيات صدموا الثوار الذين خذلوا الثورة جفت الأقلام.. لكن لم تطوَ الصحف. بقيت مفتوحة أمام العديد من الثوار، للتعديل والتبديل وإعادة تقييم المواقف.. فهناك من أنصفهم ووقف إلي جوار الثورة، وهناك من خذلها وتلاعب بها.. هناك من رفعها إلي السماء، ثم تركها لتسقط سقوطا حرا.. وهناك من رسم أمامها حدوده.. وبيّن لها قدراته، دون أن يخدعها أو يخادعها. لكننا، مع كل هذا، لسنا بصدد عقد محكمة تفتيش سياسية لمن تصورنا أنهم خذلوها، أو أوهموا الشباب بأنهم قادرون.. فاعلون.. مؤثرون، ثم تركوهم وسط الطريق، معصوبي العينين.. يتلمسون نهايته.. لكن علينا السؤال والتماس الجواب.. ولهم أن يلتزموا الصمت إن أرادوا.. وسوف نعفيهم بدورنا من الحديث.. فالأحداث ليست في حاجة دائما إلي كلمات. المستشار الذي اختفي هل تتذكرون المستشار طارق البشري.. الرجل الذي تولي رئاسة لجنة تعديل دستور 1971 ثم اختفي؟! البشري، فقيه دستوري ومفكر إسلامي كبير، كان معارضا قويا للنظام السابق، وكتب في مؤلفاته عن الاستبداد الذي تمركز في دولة مبارك .. وأول من نادي بفكرة العصيان المدني للضغط علي النظام وسحب الثقة من حكومته. وكان الأمل في موافقة البشري علي تولي مسئولية تعديل مواد دستور ,71 لكن ظهرت انتقادات البشري في اختيار أعضاء اللجنة.. فقد ضم المحامي الإخواني صبحي صالح رغم أنه ليس خبيرا قانونيا أو فقيها دستورياً حتي يشارك في تعديل دستور الأمة وتبين من تصريحات صبحي الأخيرة إلي أي مدي أخطأ البشري في اختياره، أي أن هذا الإجراء جاء علي حساب استبعاد معظم القوي السياسية سواء التي بدأت الثورة أو التي آمنت بها باستثناء الإخوان المسلمين! علاوة علي ذلك لم يمانع البشري من ضم اثنين من مستشاري « ممدوح مرعي» وزير العدل السابق .. ثم خرجت التعديلات الدستورية غير مرضية لكثير من الناس ومنهم النخبة التي وصفتها ب « مخيبة للآمال» لأن تلك التعديلات رآها الكثيرون خطرا علي الديمقراطية التي من أجلها قامت الثورة . عايزها إخوانية الكاتب الكبير «فهمي هويدي» يعتبر عموده في جريدة الشروق بمثابة دليل لمتابعي مسار الثورة لكونه صاحب رؤية خاصة مؤسسة علي نظرة دينية.. هذا ليس غريباً عليه لكن الغريب عندما نقرأ له كلمات يصعب قبولها في إطار دعم الدولة المدنية. في مقاله المنشور في جريدة الشروق 30 مايو الماضي انتقد هويدي بحدة وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة التي قالت إن أعداد متظاهري جمعة الغضب الثانية زادت علي 500 ألف.. استند للجريدة الممولة سعوديا «الحياة اللندنية» التي قالت إن عدد المتظاهرين لم يتعد ثلاثة آلاف متظاهر بسبب غياب حشد الإسلاميين للميدان. ربما ليست مجرد صدفة أن يتفق موقف هويدي الذي أيد هذه التظاهرات - قبل قرار الإخوان بعدم المشاركة - مع موقف الإخوان الذين نشروا أخباراً كاذبة عن أعداد متظاهري الميدان للتقليل من قيمة أي حركة أو تظاهرة يرفضونها. لعلنا الآن نتذكر موقف هويدي وقت اندلاع الثورة، عندما كانت شوارع القاهرة تشتعل غضباً بداية من يوم 25 وحتي 28 يناير، كان الكاتب مهتما أكثر بالقضية الفلسطينية، يكتب عن وثائق قناة الجزيرة بخصوص المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.. كتاباته ابتعدت عن الميدان حتي يوم الخامس من فبراير اكتفي بكتابة «كلنا ميدان التحرير»، ربما انتظر هويدي هذه الفترة حتي يظهر الإخوان علي الساحة بعد رفضهم لمظاهرات يوم 25 يناير وعدم المشاركة فيها، أو ربما اكتفي بتلك الكلمات الثلاث ليعطي نفسه فرصة أكبر ليعرف ماذا حدث وقت غيابه. هويدي كان واحداً من أهم المعارضين للنظام السابق.. قلمه داوم علي مطاردة أخطاء هذا النظام وقت قوته لم ييأس، فكان من الطبيعي أن يكون هذا الرجل أحد أهم المحللين للوضع وغيابه وقت اندلاع الثورة يفجر تساؤلات عدة أجاب عنها هويدي بمواقفه خاصة المؤيدة لتنامي التيارات الإسلامية.. هو لا يري أي مشكلة في قيام أحزاب علي مرجعية دينية يعتبر هذه الأحزاب المؤسسة علي مرجعية دينية وسيلة فعالة لعرض أفكار الجماعات التي اعتادت العمل في الظلام. هويدي يؤكد أن العلمانيين الليبراليين والقوميين لا يختلفون عن متعصبي الكنيسة، ويقودون حملات نقد وتشهير بالجماعات الدينية التي تدعو لدولة إسلامية وترفض المدنية.. هويدي انتظر الحراك الذي أنتج ثورة يناير، فحدثت الثورة وانتظرت ملهميها ومفكريها ليضيفوا إليها بمواقفهم ورؤياهم الإصلاحية، وليس ليغيروا المسار والبعد عن الأهداف التي قامت علي أساسها. بعد حادث قطع أذن المواطن القبطي بقنا، وأحداث أخري ارتبطت بجرائم السلفيين في تطبيق الحدود علي كل من يخالف أوامرهم.. ربط هويدي بين الأحداث ورفض أي اتهام موجه للتيارات الدينية ونصب نفسه محاميًا للدفاع عن مرتكبي جرائم الحدود، التي اعتبرها فزاعة جديدة شأنها أن تنفر الناس من الجماعات الدينية.. هويدي أكد أن نقد التيارات الإسلامية يمثل تجريحًا مباشرًا في الإسلام ومن يرفضهم هو من أبناء الثورة المضادة. نزوة مليونير «نجيب ساويرس».. الاسم يبدو مؤثرا اقتصاديا وسياسياً.. لكن الكثيرين لم يفهموا طلب ساويرس بالعفو عن مبارك!.. يبدو أنه يراهن علي أن الشعب المصري «طيب» لا يحب الانتقام، ولم يخجل عندما قالها صراحة علي قناة بي بي سي «ارحموا مبارك»، وكأن الشعب هذا لم يقم بثورة عظيمة ضد هذا الديكتاتور الذي قتل المصريين بعد أن نهب أموالهم. ساويرس الذي يدعي ليل نهار أنه ليبرالي مستقل، ينتظر منه الناس مواقف أكثر وضوحاً وشفافية، وليس استهلاكاً للمد الثوري الحاصل الآن.. فهو انضم للثوار وكان أحد أعضاء لجنة الحكماء التي فاوضت نائب الرئيس المخلوع علي مطالب الثورة، ومن أوائل المحذرين من تسلط الإخوان وخطورة تزعمهم للساحة السياسية، زادت شعبيته حتي ظهرت حملات إلكترونية تطالبه بالترشح للرئاسة.. لم يستمر ساويرس طويلا في هذه المشاركة وانسحب بمجرد تنحي مبارك، وقال إن دوره انتهي بعد نقل السلطة للجيش، كأن الثورة انتهت وحققت مطالبها التي كان يتفاوض من أجلها.. ودون أن تحدد ماذا كان يريد ساويرس وإلي أي جانب ينحاز. انشغل ساويرس بتأسيس حزبه «المصريون الأحرار»، ويبدو أنه تاه في تفاصيل هذا التأسيس، وراح يتخيل الأحلام التي يمكن أن يحققها بهذا الحزب، لم نعد نري له أي دور مؤثر فضلاً عن أن تصريحاته باتت أكثر سلبية والتباسا، فبعد أن عبر عن قلقه من احتلال بقايا الحزب الوطني للبرلمان القادم، صرح مؤخراً أنه لا يمانع من انضمام أعضاء الوطني المنحل ورموز النظام البائد لحزبه وبالتالي انضمامهم للبرلمان!.. إذا حاولنا البحث عن إنجازات قدمها ساويرس للثورة، لن نجد شيئاً.. بعيدا عن اللحظات الفارقة في أيام الثورة العصيبة، يعترض علي فكرة المسيرات والتظاهرات وقاطع تظاهرات جمعة الغضب الثانية بينما بعض أعضاء حزبه أعلنوا المشاركة. ساويرس استغل جيدًا أزمة وائل غنيم، وتظاهر أنه صاحب قرار الإفراج عنه عن طريق علاقته بالنظام وعمر سليمان الذي وعده أن يحقق طلبه- حسب ما قال ساويرس- بينما أغفل تمامًا دور حسام بدراوي الرئيسي الذي توسط بشكل مباشر مع الداخلية لإتمام عملية الإفراج.. بدراوي لم يتاجر بما حققه رغم دوره، لكن ساويرس استدعي ملكات التاجر الشاطر وعرف كيف يستثمر الفرصة لصالحه. «الجمل برك» قبل قيام الثورة كانت صورة د.«يحيي الجمل» إيجابية عند أغلب المصريين.. كان واضحاً وصريحا عندما هاجم شكل الانتخابات في مصر وانتقد وصفها ب«النزيهة».. انحيازه لقضية الشهيد خالد سعيد رفع من شعبيته، وانضمامه للجمعية الوطنية للتغيير بمثابة توثيق رسمي لتأكيد معارضته النظام.. مع الثورة ظهر اسم الجمل في الأفق، من عضو لجنة تعديل الدستور إلي نائب رئيس وزراء ظل محافظاً علي منصبه سواء في وزارة شفيق المقالة، أو التي يترأسها شرف حالياً لكن بين الوزارتين كان للجمل مواقف أثرت سلباً علي صورته الإيجابية، اعترض واعتبر المظاهرات التي طالبت بإقالة شفيق مظاهرات ليس لها مبرر لأن شفيق - حسب تعبيره - أخلص مواطن في مصر!! منذ ذلك الوقت بدأت تسقط أسهم الجمل حتي تهاوت، وهتف المتظاهرون بميدان التحرير مطالبين بإقالته من الوزارة بينما هو علي الفضائيات يتهكم علي هذه المطالب، فقال لهم «عفوا لا يقدر أحد علي الإطاحة بالجمل»! ويبدو أنه واثق مما يقول ويدعي. يحيي الجمل الفقيه الدستوري، صاحب المواقف الوطنية، ينزلق الآن من تصريح لآخر يجعله بعيدا عن الثورة وأهدافها، أصبحنا ننتظر اعتذاره وتبريره لما يقول . فكيف به يأمر بمنع الصحفيين والإعلاميين من حضور جلسات الوفاق الوطني وجعلها سرية ! موقفه هذا يتشابه مع موقفه في السابق عندما كان يدير جلسات الحوار الوطني، حين أقصي بعض ممثلي القوي السياسية علي حساب إعطاء الفرصة لانضمام رموز الحزب الوطني المنحل، وربما لهذا السبب سحبت منه إدارة الحوار ليكون د.عبدالعزيز حجازي بدلا منه، إثر ضغوط من شباب الثورة . الثلاثة باعوها بعض المعارضين والسياسيين الذين لمعوا في الأيام الأولي للثورة ابتعدوا الآن عن تطوراتها وكواليسها، خاصة هؤلاء الذين أعلنوا عن نيتهم للترشح لانتخابات الرئاسة.. د.«محمد البرادعي» الذي بدأ حربه ضد النظام قبل الثورة، ليس له وجود ملموس الآن إلا في تصريحات وجلسات لا ينتج عنها شيء قادر علي تغيير الواقع المتخبط، أين دور الرجل الدبلوماسي الذي حكم وكالة الطاقة النووية لسنوات واحترمه معظم رجال السياسة خارجيا وداخليا، أسس جمعيته الوطنية للتغيير في وقت كان يصعب فيه تأسيس جمعية خيرية، لكنه كان قويا ، وصل بصوته للجماهير الراكدة .. لكن الآن نسأل أين اختفت جمعيته بعد الثورة التي تمناها، نعم ساهم في التغيير لكنه حتي الآن لم يضف شيئا قويا بعد هذه المساهمة، شيئا يطور من الثورة ويشق لها طريقا أسرع لتحقق مطالبها بشكل سلمي .. البرادعي انشغل بحملته الانتخابية التي تفرعت منها حملات تهدف لتصحيح المغالطات التي روجها النظام السابق عنه.. انشغل عن الثورة التي تحقق حلمه بخوض انتخابات الرئاسة بل والمنافسة بقوة، ربما كنا نتوقع عملا أو حراكا مختلفا يقوده البرادعي لكن يبدو أن التوقع حالم بأكثر مما ينبغي. د.«أيمن نور» موقفه لا يختلف كثيرا عن سابقه . هو أيضا أحد المناضلين القدامي وأكثرهم معاناة من النظام السابق، أيد الثورة وشارك فيها بفاعلية غير أنه انشغل مؤخرا بقضيته القديمة المتعلقة بحزب الغد، وقضاياه الأخري سواء مع أقارب طليقته جميلة إسماعيل أو مرتضي منصور، وبحملته الانتخابية وتنقله بين محافظات مصر للترويج لنفسه أملا في الفوز بمقعد الرئيس .. لم تشغله تطورات الثورة، فابتعد كثيرا ولم يقدم شيئا جديدا . ثالث أكبر المنافسين هو « عمرو موسي» الذي نزل ميدان التحرير في بداية الثورة ليؤيدها تأييدا شرفيا !.. موسي صاحب أقدم وأكبر شعبية .. ليس له دور في قيام الثورة أو في تحديد رؤيتها أو في دعمها، وبقدر ما كانت الناس تعتقد أنه السياسي الشارد من خطايا النظام السابق، قدر ما خذلهم في تقديم ما كان منتظرا منه بتبني مطالب الثورة بحكم أنه الدبلوماسي الذي بني شعبيته علي نبرته الأكثر حدة في التعبير عن السياسة الخارجية لمصر .. بدأ موسي يفقد شعبيته، ظهر ذلك واضحا في معظم مؤتمراته الشعبية، وتصريحاته الملتبسة، الغامضة التي لا تعبر عن موقف صريح. الاخوان الانتهازيون الجماعات الدينية كانت الأقل إسهاما في الثورة والأكثر استفادة منها استغلوا الثورة لتمنحهم فرصة العمر في تأسيس أحزابهم.. د«محمد بديع» مرشد الجماعة التي أبت أن تشارك في مظاهرات ليس مضمونا نجاحها أو ربما أنها كانت تتعارض مع طبيعة العلاقة التي تربطها بالنظام السابق، لذا كان واجبا «شرعيا» عليهم أن ينتظروا وضوح ملامح يوم 25 يناير ليقرروا المشاركة من عدمها وبالطبع نجاح اليوم دفعهم للقفز عليها وجني ثمارها كأنهم هم من قاموا بالثورة. بديع تولي « إرشاد الجماعة» في وقت تعاني فيه من صراعات داخلية يقودها بعض شباب الإخوان الذين ينتقدون فكرة انخراط الجماعة في السياسة علي حساب الدعوة، فانشغل بديع بحل هذه الأزمات قبل الثورة، أما بعد قيام الثورة ونجاحها في سقوط نظام مبارك، فكان شاغله الشاغل الاستئثار بمكاسب الثورة، وكأنها مشروع استثماري أسسه الشعب لتربح منه الجماعة علي المستوي السياسي والشعبي. بديع أعلن عن حزب جماعة الإخوان الجديد والبدء في خطوات تأسيسه، في الوقت نفسه عقد صفقات غامضة مع باقي القوي السياسية خاصة التيارات الدينية الأخري، وظهر ذلك في سيطرة الإخوان علي ميدان التحرير في بعض الجمعات، ثم بدأت الجماعة بقيادة بديع جهادها الأكبر في حشد الجماهير للموافقة علي التعديلات الدستورية لتتفق مع رؤي الإخوان في ضرورة إتمام الانتخابات البرلمانية في ميعادها المقرر، ذلك لأنهم الأوفر حظا بمقاعد البرلمان بحكم توغلهم في معظم محافظات وقري مصر .. لم يفعل بديع وجماعته شيئا للثورة «يحلل» مكاسبهم منها التي لم يحلموا بها من قبل، ربما كانت بعض فئات الشعب تتعاطف مع الإخوان باعتبارهم كانوا مضطهدين قبل الثورة، لكن مؤخرا أخذ الإخوان موقفا شبه عدائي لأي تحركات أو تظاهرات تقوم دون رغبتهم، بدأوها منذ شهر وآخر مواقفهم كانت جمعة الغضب الثانية التي سموها « جمعة الوقيعة بين الشعب والجيش»!! أي أنهم اتهموا كل من نزل الميدان ذاك اليوم بأنه مؤيد للفتنة بين جيش مصر وشعبها، لم يقتصر الابتزاز علي هذا الحد فقد تبني موقع « إخوان أون لاين» سياسات تليفزيون مبارك وقت اندلاع الثورة، ونشر أخبارا غير صحيحة عن أعداد المتظاهرين بهدف توصيل رسالة مفادها أن الثوار بدون الإخوان لا يتجمعون ولا يمثلون قوة.