شعر غالبية المصريين بسعادة بالغة بعد إعلان الفريق أول السيسي، النزول علي رغباتهم وتعيين رئيس مؤقت، لكن الإخوان خرجوا في تظاهرات في رابعة العدوية والنهضة بتعليمات من قياداتهم لرفض الإرادة الشعبية ومحاولة إعادة الرئيس المعزول محمد مرسي إلي الحكم بالقوة، فاندلعت أعمال عنف وقودها المولوتوف والرصاص، ما أشعل الفتنة في البلاد وسقط قتلي وجرحي كثيرون، جراء الفتنة والفرقة، وهذا كله يدفع ثمنه المجتمع المصري، لعدة عقود مستقبلاً، والطريق الوحيد إلي هؤلاء هو عودتهم إلي الإسلام الصحيح القادر علي إرجاعهم، من خلال الحديث عن وسطية الإسلام وتذكيرهم بأن الوسطية في مفهوم الإسلام منهج أصيل يرضي الجميع. يؤكد علماء الفلسفة والتاريخ أن شباب الإخوان لن يعودوا إلا إذا أعدنا تأهيلهم نفسياً وغسلنا عقولهم من كل الهلاوس التي صبغتها بها أقطاب الجماعة الذين هم في الأساس ليسوا علماء دين متخصصين، وتوضح الدكتورة منى أبوزيد أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان أن الشعار الأول فى الدين الإسلامى أنه دين وسطى، (جعلناكم أمة وسطا) كما جاء فى سورة البقرة بمعنى أنه دين وسط بين كل الديانات التى سبقته، فالديانة اليهودية أفرطت فى ماديتها، بينما أفرطت الديانة المسيحية فى الروحانيات، وكلاهما كان له هدف من نزوله على هذا الشكل، ثم جاء الإسلام بوسطيته وسماحته، فالإسلام يقول لنا اعمل لحياتك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. وتضيف «أبوزيد»: من أهم مبادئ الإسلام قبول الآخر وقبول الديانات والثقافات، يجب أن أقبل من يشترك معى فى دينى ومن يختلف معى، فالدين الإسلامى لديه من القدرة والقوة ما يجعله يتسع للجميع، يؤثر ولا يتأثر. وعلى شباب الإخوان أن يعوا أن كل من أقر المبدأ الأول والأهم للإسلام وهو الشهادة والتوحيد فهو مسلم، ومن آمن بكتبه وملائكته ورسله فهو مسلم، وطالما اتفقنا فى الأصول فلا يهم لو اختلفنا فى الفروع، والدليل على ذلك أن الأئمة الأربعة اختلفوا فى مذاهبهم ومع ذلك لم يختلفوا حول العقيدة ولم يكفر أحد منهم الآخر مثلما يفعل الآن أقطاب الإخوان المسلمين، الذين يكفرون مجتمعاً بأكمله، بل على العكس كتب الأئمة تؤكد أنه كان بينهم صلات وتراسل. وحول الاجتهاد توضح أن باب الاجتهاد مفتوح فى الإسلام ولكن يبقى السؤال: من الذى يحق له الاجتهاد؟.. هل أقطاب جماعة الإخوان المسلمين من حقهم الاجتهاد وهم ما بين طبيب ومهندس؟.. هل معنى التثقف فى الدين أن أجيز لنفسى الفتوى؟.. هذا جرم فى حق الإسلام، فليس من حق من قرأ فى الطب أن يدخل غرفة العمليات ليجرى جراحة، طالما لم يحصل على إجازة رسمية تجيز له هذا مهما قرأ ومهما حصل على معلومات فى هذا المجال. وتوجه «أبوزيد» كلمة لأصحاب تيار الإسلام السياسى، فتقول: إنه لا سياسة فى الإسلام، فمن رحمة الإسلام بأهله أنه لم يضع نظاماً محدداً للحكم، فقد قال «الأمر شورى» لأنه كان يعلم أن العباد فى كل زمان وكل مكان سوف يكونون أعلم بأمرهم، فالإسلام شهد كل أشكال التنصيب السياسى، بداية من البيعة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم، عندما بايع عمر بن الخطاب أبا بكر رضى الله عنهما فى منزل ثقيفة بنى ساعدة، ثم شهد التشاور والاختيار عندما اختار عمر ستة من أحباب رسول الله ليختار منهم المسلمون خليفتهم، وشهد الانتخاب الفتنة الكبرى حين اتفقت الوفود على اختيار الإمام على، كذلك شهد التوريث حين ورث معاوية بن أبى سفيان ولده يزيد الحكم، ويجب على الأقلية عدم الخروج على الجماعة وإلا أصبحوا خوارج العصر. شباب الإخوان الدكتور حامد طاهر، أستاذ الفلسفة الإسلامية وعميد كلية دار العلوم الأسابق، يقول: عانيت كثيراً أثناء تدريسى فى كلية دار العلوم من شباب هذا الفصيل خاصة من لا يأخذ الإسلام من مفهومه الصحيح المتكامل ومن مصادره الأساسية وهى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ولكنهم يعتمدون على بعض المؤلفات والمعلومات الشفهية التى يقدمها أقطاب الجماعة، وهنا يجب أن نفرق بين الرعيل الأول الذى كان يقود هذه الجماعة بداية من حسن البنا والسيد سابق والشيخ الغزالى فيما بعد، فهؤلاء علماء أجلاء فهموا الإسلام على حقيقته، أما هؤلاء الذين دخلوا بالجماعة فى نفق التنظيمات وابتعدوا بها عن أهدافها الحقيقية أمثال المرشدين الأخيرين مهدي عاكف ومحمد بديع وهما زعماء تنظيم عنقودى ولم يكونا يوماً من المتخصصين فى الإسلام، هؤلاء قادة تنظيميون وليسوا علماء دين، لهم أهدافهم. ويضيف «طاهر»: أقول لشباب الإخوان إن الإسلام هو آخر دين سماوي، وهو يتميز بالبساطة، ويمكن أن تتقبله بسهولة كافة العقول، ويتجه بتعاليمه إلى الإنسان فى كل زمان ومكان وبمجرد أن «يعلن» أى شخص «الشهادة» بأنه «لا إله إلا الله.. وأن محمداً رسول الله»، يصبح مسلماً، يمتلك عدداً من الحقوق، وتفرض عليه بعض الواجبات، فى إطار نظام ديني واجتماعي وثقافي متكامل، يراعى المتطلبات المادية، كما يستجيب للطموحات الروحية لكل من الفرد والجماعة. وللإسلام أربعة مقومات رئيسية، لا يتكامل مفهومه، ولا يستقر نظامه إلا بها، وهى: العقيدة، والشعائر، والأخلاق، والتشريع. والمطلوب فى العقيدة أن تكون راسخة فى قلب المسلم، متمكنة من عقله.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القرآن الكريم يدعو كل إنسان أن يتثبت بنفسه من «مصداقية» هذه العقيدة باستعراض التاريخ، ومصائر الأمم السابقة، والبحث الدائم فى الكون، وتأمل ظواهره الطبيعية.. حتى يكون إيمان القلب مؤيداً باقتناع العقل. أما الشعائر الإسلامية فهى أربع وهى: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج. أما الخلق فهو عبارة عن دافع وسلوك.. ويختص الدافع بالنية والإرادة والتصميم، بينما يشكل السلوك تصرفات الإنسان الخارجية.. ومن الواضح أن الدافع هو أساس السلوك.. ومن هنا فقد اهتم الإسلام اهتماماً شديداً بتكوين هذا الدافع تكويناً ممتازاً.. ويبدأ هذا التكوين من ربطه بالعقيدة، وتجديده المستمر بالشعائر، حتى يصبح المسلم، ونيته متجهة دائماً للحصول على رضا الله، وتصميمه أكيد على عدم عصيان أوامره، مع الإحساس المستمر بأن الله تعالى رقيب على حركة نفسه، مطلع على أدق خواطره. وأكد «طاهر» أنه فى مجال معاملة المسلمين عموماً، نجد الحديث النبوى يعرف المسلم بأنه الذى: يسلم المسلمون من لسانه ويده، فيقول صلي الله علية وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (رواه مسلم) أى الذى لا يؤذى أحداً بفعل، ولا بقول.. وفى هذا الإطار، يأتى تطهير الطرق من القاذورات أو الأحجار التى قد تكون سبباً لإلحاق الأذى بالمارين فيه. وبالنسبة إلى غير المسلمين، الذين يعيشون فى المجتمع الإسلامى، وهم غالباً من اليهود والنصارى، فلهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، وهم يتلقون من المسلم الحقيقى كل احترام لشعائرهم، ويحل له تناول طعامهم، والتزوج من نسائهم، وإذا حدث جدال معهم، فلا يجادلهم إلا بالتى هى أحسن، كذلك فإن التعامل الاقتصادى معهم مباح، وقد توفى رسول الله صلي الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى.. ومن أزواج الرسول صلي الله عليه وسلم ماريا القبطية التى أنجبت له ابنه إبراهيم. وقد لاحظ علماء القانون، مثل غيرهم، ما يتميز به التشريع الإسلامى من عدالة وسماحة، ومراعاة لمصالح الناس، وعدم إحراجهم بالتكاليف الصعبة، أو غير المعقولة.. ومن المؤكد أن هذه الأسباب كانت وراء سرعة انتشار الإسلام واستقراره فى بلاد ذات حضارات سابقة ، ونظم تشريعية قديمة. والسياسة فى المجتمع الإسلامى لها أهدافها المحددة، وأهمها على الإطلاق توفير العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع وتحقيق الأمن والاستقرار، والحفاظ على تعاليم الدين من عبث العابثين فى الداخل، وكيد أعدائه من الخارج.. أما وسائل السياسة فأهمها الشورى، التى تتضمن عموم المشاركة من الجميع. الوضوح والشفافية الدكتورة لطيفة محمد سالم، أستاذ التاريخ بجامعة بنها، تقول: الإسلام دين جميل لأنه يحتوى على كل العناصر البشرية ويستطيع أن يريح كل من فيه، وهو يتسم بالوضوح والشفافية وطالما غلفته الأسرار فقد ابتعد عن المسار الصحيح، ومنذ ظهرت الجماعة فى شكل تنظيمات سرية حملت حقائق تتعلق بتأسيس الجماعة وخطها الفكرى العام وتنظيمها الداخلى وعقيدتها الأيديولوجية وغيرها من القضايا المهمة، كما حملت مفاجآت لم يتم الكشف عنها من غموض اكتنف الجماعة منذ تأسيسها عام 1928، فالإسلام دين لا يشق على معتنقيه أبداً، بل يدعو المسلمين إذا اختلفوا فى أمر ما بين اختيارين أن يأخذوا بالأسهل والأيسر عليهم، الإسلام لم يمنع الاجتهاد والتنوير بداية من الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغانى.. وتدعو «سالم» شباب الإخوان المسلمين: اقرأوا تاريخ الإخوان جيداً حتى تعلموا ماذا أنتم فاعلون بأنفسكم وبأهلكم، ولتسألوا أنفسكم كيف انتشر الإسلام فى كل دول جنوب شرق آسيا ودول جنوب أفريقيا؟.. هل انتشر بالسيف؟.. أنا أقول لهم الدين هو المعاملة. المشروع الإسلامي الدكتور أحمد حماد، أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس، يؤكد أن جماعات تيار الإسلام السياسى لا تريد تطبيق وسطية الإسلام، ونحن نسألهم: سمعنا كثيراً منكم عن المشروع الإسلامى ولكن لم يخبرنا أحدكم، ما المشروع الإسلامي؟.. الإسلام لم يؤصل أبداً لفرض الرأى وإنما دعا للشورى فى الحكم، كما دعا إلى الدعوة إليه بالحسنى، فأى حسنى ما تفعلون؟ ويضيف حماد: فى النهاية أنا متفائل لأن ما يحدث هو إرهاصات طبيعية للثورات، وفى كل ثورات العالم كانت هناك تضحيات، ولكن نتمنى أن تكون هذه التضحيات فى أقل الحدود، هذا الشعب يمتلك جين الفرعون وعبقريته منذ 7000 سنة، وإن ظل كامناً إلا أنه يعرف متى يخرج المارد الساكن بداخله، لذلك إسرائيل وأمريكا وكل دول الاتحاد الأوروبى لا تريد لهذا العملاق أن ينطلق لأنها تعلم أن خروج المارد سيكون خطراً عليهم. ونحن نقول: إن الإسلام لا يمكن أن يكون لحية ونقاباً.. ونتساءل: من المسؤل عن تسفيه مفهوم الإسلام العظيم إلى هذا الحد؟.. أنا أعرف أسرة مسلمة أخذت على عاتقها هى وآخرون الدعوة للإسلام فى دول جنوب أفريقيا، ومع ذلك لم أر فى هذا البيت لا نقاباً ولا لحية ولا تزمتاً، إنما رأيت إسلاماً معتدلاً، وعلاقات طيبة بجيراننا المسيحيين، ولم يسعوا إلى الإعلام بأى صورة من الصور، فلم يغرقوا الإعلام لا المرئى ولا المقروء بصورهم، ليخبروا العباد بما يقدمونه لله.