يتغافل البعض ممن يحلو لهم تناول ما حدث في الثلاثين من يونية باعتباره انقلاباً عسكرياً، عن الدعوات المتتالية التي وجهها الشعب إلي قواته المسلحة لتتدخل حماية لمكتسبات ثورة 25 يناير، وإعادتها إلي أصحابها، وهو أمر مشهود لا يمكن إنكاره. بل إن البعض يري أن القوات المسلحة تأخرت كثيراً في التدخل، وفسر البعض ذلك بأن الجيش غاضب من المواجهات العنيفة التي تعرض لها أثناء الفترة الانتقالية، وبرر البعض الآخر ذلك برغبة الجيش الأكيدة في الابتعاد عن الساحة السياسية، ورأى غيرهم أن الجيش يتعرض لضغوط خارجية لعدم التدخل في الشأن السياسي. غير أن مثل هذه التحليلات تتجاهل ما للجيش من مركزية في العقيدة الوطنية المصرية، فمنذ آلاف السنين كان الجيش المصري الضمانة الحقيقية لاستقرار الدولة؛ كما أن الجيش بما له من قوام أساسي من المدنيين، هو التعبير الحقيقي عن النسيج الوطني بكل ألوانه، ومن ثم فإن الجيش المصري لا يمكنه الوقوف أمام إرادة شعبه، بل لا يمكنه إلا الانحياز لهذه الإرادة التي شهدها العالم في الخامس والعشرين من يناير، وفي الثلاثين من يونية. وهنا يجدر بنا أن نُشير إلي أن ما قام به الجيش في الثلاثين من يونية هو تكرار لموقفه المُشرف في الخامس والعشرين من يناير، حين أزاح مبارك، وهو أحد أبنائه، عن كرسي الحكم بعد ثلاثين عاماً من توليه الحكم، وما كان مبارك فاقداً لشرعية الانتخابات حين قامت ثورة 25 يناير، بل فقد تأييد إرادة الشعب، ولم يُتهم الجيش آنذاك بالانقلاب العسكري. بل إن الجيش في الثلاثين من يونية أراد عدم تكرار أخطاء المرحلة الانتقالية، فأعلن أنه سيُشرف فقط علي إدارة المرحلة الانتقالية، دون إدارتها بنفسه، كما حدث بعد ثورة 25 يناير، وبالفعل تسلم رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئاسة الدولة بصفة مؤقتة، ويدير الرجل الأمور حالياً في سبيل تشكيل الحكومة، والجهاز الرئاسي، بالتشاور مع كافة القوى السياسية، دون إقصاء لجماعة الإخوان المسلمين، رغم الخطاب الدموي الذي يسيل من تصريحات قادة الجماعة، وإكراههم لشبابهم علي الاعتصام، والاعتداء علي الشعب أثناء احتفاله بنجاحه في العثور علي ثورته، ما يُعرض الدولة المصرية إلي مُنزلق الحرب الأهلية. لعل في ذلك ما يؤكد أن الجيش المصري لا يملك خياراً أمام إرادة شعبه، الذي هو جزء من نسيجه الوطني، ومن ثم فإن تدخل الجيش لاحتواء أزمة كادت تعصف بالدولة المصرية، أقدم دولة في العالم، هو تدخل فيما يعنيه تماماً، وهو أداء مخلص لدور وطني سيظل منوطاً بالجيش إلي أن تترسخ ديمقراطيتنا الوليدة، وتملك أدواتها وآلياتها، حينئذ يصح قياس الشأن المصري علي ديمقراطيات راسخة، لا تسمح بتدخل المؤسسة العسكرية، كما لا تُتيح الممارسات السياسية فيها الفرصة أمام تنظيمات سرية لتصعد إلي الحكم. «الوفد»