فى مثل هذا الشهر من العام المنقضى، وقف الرئيس مرسى فى ميدان التحرير، فاتحاً صدره، متباهيًا بفوزه، موجهًا حديثه لعشيرته ومؤيديه، ومن عصروا الليمونة ومنحوه أصواتهم من الثوار والكارهين لشفيق والفلول، وأعلن بأعلى صوته عن فخره واعتزازه بإرادة الميدان التى جاءت به رئيسًا منتخبًا لمصر، قائلاً لكل المصريين: «إن إرادة الميدان تعلو فوق أى إرادة أخرى، وفوق أى مؤسسة فى الدولة». واليوم وفى نفس الشهر، ولكن بعد مضى عام من الخراب والدمار لمصر يتنصل مرسى وجماعته من هذه الإرادة الشعبية، ويعتبرون أصحابها، بلطجية، ومأجورين، وفلولاً، وثورة مضادة، إلى آخر الاتهامات والادعاءات والأكاذيب التى اعتادوا عليها منذ أن وطأت أقدامهم بلاط مؤسسة الرئاسة. فما الذى حدث أيها الرئيس الساقط شرعيًا، الفاشل سياسياً واقتصادياً؟! فلماذا هذا التحول؟ نصحناك كثيراً، ولكنك لم تستمع إلا لصوتك فقط، ومضيت بعنادك تحاول تمكين جماعتك وعشيرتك، حتى فوجئتم بخروج المارد مرة أخرى، يزلزل ويدمر نظامكم، ويثبت لكم أن تهديداتكم بحرق مصر فشنك ولن تجدى، وأنكم بمقراتكم ووحداتكم الحزبية فى المحافظات أول من تكتوون بنار الانقسام السياسى، وتمزيق الوطن، ما بين كافر ومؤمن، مسيحى ومسلم، ليبرالى وإخوانى ومتأسلم وسلفى. وحدكم الآن ستدفعون الثمن مضاعفاً، وقد كانت أمامكم فرصة عظيمة لقيادة دولة كبيرة بحجم مصر، إلا أنكم كما يقول المصريون فى أمثالهم «مش وش نعمة». ويا سبحان الله، لقد أيقن المصريون فى مختلف المحافظات، أنكم بالفعل لا تستحقون مصر وشعبها الصابر على «بلاويكم» وكوارثكم، ولذا هبوا جميعاً للخلاص منكم، لقد أخرجتم كل مصر إلى الشارع، بعد أن ضاقوا ذرعاً بسياستكم الفاشلة، وأفقكم الضيق، وإصراركم على إقصاء من يعارضكم أو يقف فى طريق حكمكم. قلتها لك يا سيد مرسى، ولا أقول الرئيس، لأنك الآن لا تستحق هذه الكلمة، لأنك تسببت بعنادك وتمسكك بالكرسى فى إراقة دم المصريين، ولأنك لم تقرأ جيداً المشهد السياسى وفضلت رؤيته من زاوية واحدة، قادتك إلى نهاية كنا لا نتمناها لأول رئيس منتخب لمصر. هذه إرادة الشعب يا مرسى.. وهؤلاء هم المصريون قبل أيام وشهور، كانوا يناشدونك، أن تلتفت لهم، ولقضاياهم السياسية، وإذا بك تلتفت إلى جماعتك فقط، التى بسببها قد تعود إلى السجن مرة أخرى، لإهدارك دم الشهداء الذين طالما طالبت بالقصاص من قاتليهم، ولم تفعل شيئاً. قلت لك، وغيرى من الزملاء الإعلاميين، اتقِ شر يوم، لا تجد فيه جماعة تحميك، ولا عشيرة تنفعك، إلا أنك لم تستجب لأى قلم ينتقد خطواتك وسياساتك، واعتقدت أن جماعتك ستحكم مصر إلى الأبد، بدستوركم التفصيل وجمعيته التأسيسية الباطلة، ونائبك العام الملاكى الذى لقنه ولقنك قضاء مصر الشامخ درساً قوياً، تعجزون بقصور تفكيركم عن استيعاب تبعات حكم محكمة النقض بعودة النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصبه. السيد مرسى.. سأقولها لك مرة أخرى، ابحث وجماعتك عن مشروع تجارى، تأكلوا منه «عيش»، فيادوبك تستطيعون إدارته، وربما أيضاً تفشلون. إن مصر الفرعونية، قاهرة الطغاة، الرافضة للديكتاتورية، أسقطتك ونظامك بعد عام واحد فقط من ولايتك الرئاسية، وستسقط أمثالك، ومن يشبهك أو يحاول الاقتراب من مؤسساتها القضائية والعسكرية والأمنية والتشريعية والإعلامية، أو يجعل الوطن ملكاً لفصيل واحد، أو يبيعه لجماعة توهمك يوماً بأنها احتلت مصر. وبعيداً عن أى شماتة.. يؤسفنى أن أقول لك ما قلته لمعارضيك فى خطاب ما قبل رحيلك وسقوطك.. ستعود وجماعتك إلى الجحور مرة أخرى، لأنكم تمرضون وتصابون بالعتة، إذا ما خرجتم للدنيا وتنفستم هواء نظيفاً خالياً من الغدر والخيانة والكذب والفشل.