كثيرة هي الصراعات السياسية التي يستغلها ممثلو الأطراف المتصارعة لتوظيف المصطلح الفضفاض “شرعية الشعب” في سياق اختطاف الإرادة الشعبية من جهة، وإقصاء وتهميش الخصوم السياسيين والتقليل من شأنهم، سواء كان الأمر متعلقاً بالأحزاب الموالية للحكم، أو الأحزاب المعارضة . في هذا السياق يبرز حالياً الصراع المحتدم بين الأحزاب الموالية وأحزاب الأغلبية من جهة، والأحزاب المعارضة، والقوى الشبابية والمدنية، من جهة أخرى، وفي هذا المجال المشحون تماماً، تبرز لغة التمترس خلف ادعاءات التفويض الشعبي، والقاعدة الجماهيرية، وتنطلق الدعوات يمنة ويسرة إلى حماية “الشرعية”، لدرجة المطالبة بتدخل الجيش المصري، وإلا سيكون “الشعب” من يحميها . هناك في مصر حالة مكابرة متبادلة بين حكم فقد الكثير من زخمه وقاعدته الجماهيرية، ومعارضة فقدت ثقة كثيرين بسبب عجزها وتفككها، وعدم قدرتها على وضع رؤية متماسكة للدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير، وهناك أيضاً صراع يحمل عنوان الشرعية الشعبية، ويخفي وراءه ما لا يتعلق بشرعية ولا شعبية، بقدر ما هو صراع مصالح وأجندات حزبية، وأحياناً صراع مشاريع قد يتخطى حدود مصر ذاتها . شدّ وجذب ودعوات من هنا وهناك لنصرة طرف على حساب الآخر باسم الإرادة الشعبية والشرعية، ومن ذلك دعوة القيادي البارز في الجماعة الإسلامية صفوت عبد الغني الجيش المصري إلى النزول إلى الشوارع للدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة، “قبل أن ينزل الشعب للدفاع عن الشرعية” . عذراً أيها الساسة المتناحرون، لكن ألا تدركون أن أي جيش في العالم لن يتورط في صراع سياسي داخلي، وسيرفض محاولاتكم الإيقاع به في مستنقع خلافاتكم وتضارب مصالحكم، ولن يرجح كفة طرف على آخر، لكنه لن يتوانى في الوقت ذاته عن حماية شعبه ووطنه ممن يتربصون بأمنهما واستقرارهما . كفاكم أيها الساسة في مصر تلاعباً بالمصطلحات، وكفاكم توظيفاً لمفاهيم ومصطلحات وجدت لحماية الشعوب لا لاستغلالها، وكفاكم أيضاً تناحراً وتصارعاً على الكرسي، فمن غير المقبول تحويل صراع سياسي إلى دفاع عن شخوص وأسماء مهما علا شأنها، فالشخوص والأسماء تمضي وتصبح تاريخاً، أما الأوطان فباقية ما دامت البشرية . حقيقة أكدتها التجارب مراراً وتكراراً، وناقوس خطر ما زال يدق محذراً من مغبة الاستمرار في هذا الصراع العبثي، والمطلوب العودة إلى لغة الحوار والبحث عن القواسم المشتركة، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق اعتبارات السياسة والمصالح الذاتية، فبذلك تكون حماية الأوطان والشرعيات . كفاكم أيها الساسة تلاعباً بالشعب المصري الذي ما زال يعاني الاستبداد، والذي لم يشهد ساعة حرية وتعبيراً حقيقياً عن إرادته إلا عندما احتشد على مدى أيام ثورة 25 يناير في ميادين التحرير، وثبّت إرادته وأصدر قراره بكل سلمية وحضارية، كفاكم أيها المتلاعبون بالكلمات مراهنة على الدعم الشعبي الذي تدركون أنكم تفتقدونه بسرعة كبيرة، عودوا إلى طريق الحوار، واحترموا اختلافاتكم، وضعوا مصر على رأس الأجندة، وفي ذلك الحين ستجدون الشرعية التي تدَّعون حيازتها، لدى مصدرها الوحيد والحصريّ المتمثل بالشعب . نقلا عن صحيفة الخليج