وهل ينكر مصري واحد أن أحمد عرابي باشا كان متمرداً شهيداً وقاد واحدة من أكبر وأعظم حركات التمرد المصرية.. حتي وإن انتهت حركته المتمردة هذه إلي احتلال الانجليز لمصر لمدة 74 عاماً ولكنه لم يكن مسئولاً عن هذا الاحتلال.. بل الخيانة هي السبب!! كان أحمد عرابي باشا فلاحاً مصرياً من محافظة الشرقية.. وربما يكون أول مصري صميم يصل إلي رتبة العسكرية في الجيش المصري.. فقد اعترض وتمرد علي سيطرة الضباط الاتراك علي المناصب العليا بالجيش المصري.. وطالب بإعطاء الضباط المصريين حق تولي هذه المناصب.. ووقف بالمرصاد ضد القائد التركي عثمان رفقي الذي كان الأعلي رتبة في هذا الجيش المصري.. بل وطالب بإسقاطه وابعاده عن الجيش.. والمؤكد أن أحمد عرابي - هذا الزعيم الوطني العظيم - هو الذي ابتدع الوقفات الميدانية.. فهو الذي قاد أول مظاهرة عسكرية مصرية ومعه رفقاء النضال في ميدان قصر عابدين - حيث المقر الرسمي لحاكم مصر منذ أنشأ الخديو اسماعيل قصر عابدين ونقل اليه مقر الحكم من القلعة ليكون وسط شعبه.. بينما كان كل من سبقه من حكام يحتمي بالقلعة: يسكن فيها وإليها.. ومنها يدير أمور البلاد، وقد خرج عرابي إلي ميدان عابدين مرتين الأولي في عهد الخديو اسماعيل نفسه، وأحاط عرابي وضباطه وقواته برئيس الوزراء.. ووزير حربيته وأيضاً ماليته، وأوسعوهم ضرباً وسباً ولم ينقذهم من أيدي حركة تمرد عرابي الا تحرك الخديو اسماعيل نفسه.. وبسبب هذه المظاهرة الأولي استجاب الخديو اسماعيل لمطالب المتمردين وكانت المظاهرة الثانية للمتمردين في عهد الخديو توفيق الذي حكم مصر بعد عزل والده اسماعيل.. وكانت أيضاً تهتف ما معناه: هذا أو الثورة!! ورغم أن الخديو ورجاله اعتقلوا احمد عرابي قائد حركة تمرد هذه ومعه كبار مؤيديه وأودعوهم في سجنهم بثكنات الجيش بقصر النيل وهي المظاهرة العسكرية التي سبقت مظاهرة قصر عابدين في 9 سبتمبر 1881 وقبلها واقعة قصر النيل في اول فبراير 1881 عندما تجمع الضباط وقدموا عريضة مطالبهم لرئيس الوزراء وفيها تبلورت أفكار الجبهة الوطنية العرابية ضد القصر وضد الاجانب وكاد توفيق يفتك بقائد التمرد احمد عرابي لولا انه كان قد استعد وجمع أعوانه بقيادة البكباشي البطل محمد عبيد الذين انطلقوا إلي ثكنات قصر عابدين - مقر الجيش المصري - ليخلصوا عرابي ورفاقه زعماء التمرد!! ونستطيع أن نقرر ان هذه العريضة هي التي بلورت أفكار الثوار المصريين بقيادة احمد عرابي الذي اصبح بعد ذلك وزيراً للحربية وقائداً للجيش.. أي أن عريضة الثوار بل والثورة نفسها ولدت في الميدان.. ميدان عابدين الذي دخل التاريخ من يومها، وبسبب حركة تمرد هذه أصبح محمود سامي البارودي المصري الأصيل رئيساً لحكومة مصر وعرابي وزيراً للحربية فيها. وأدت حركة تمرد «العسكرية» ونجاحها الأول إلي أن أصبحت المعبر الحقيقي عن أحلام الأمة المصرية.. بل تحولت من حركة تمرد عسكرية إلي حركة شعبية تمردية شملت الشعب المصري.. ولهذا وجدنا القوي الشعبية تمد يدها إلي تمرد أحمد عرابي وتقف بجوارها وتؤيدها ووصل هذا الدعم الشعبي لحركة تمرد هذه إلي تقديم العون المادي لهذه الحركة، وزاد هذا الدعم عندما تعرضت مصر للغزو العسكري الانجليزي، ووصلت إلي حد قيام الشعب - وعائلات مصر الغنية - بجمع التبرعات بل وتولي مسئولية إعداد الجيش المصري لمواجهة هذا الغزو.. وتقديم المال والعتاد والسلاح، بعد تعدي ذلك إلي تولي الشعب تجهيز فرق عسكرية بداية من الخوذ والأحذية إلي الطعام والأسلحة. وللأسف لعبت الخيانة دورها الخطير.. ونقول للذين يحلمون بتقليد الدور التركي أن خليفة المسلمين السلطان العثماني قاد عملية الخيانة ضد هذه الثورة، ووعدهم للخونة بالمال والمناصب.. بالضبط كما يحدث الان من خلايا نائمة أو أخري طامعة في المناصب، ووجدنا من كان مع الثوار -في بداية التمرد - مثل محمد سلطان الذي بدأ وطنيا وانتهي خائناً.. ومثل علي بك ضابط الجيش الذي دل الانجليز علي نقط الضعف في تحصينات الجيش المصري في التل الكبير.. وكان جزاؤه أن أطلق عليه الشعب اسم: علي بك خنفس!! وللأسف بسبب خيانة الخديو توفيق ومؤامرات خليفة المسلمين التركي إلي هزيمة مصر ودخول قواتهم للقاهرة يوم 14 سبتمبر 1882 وتم نفي المتمرد الأول أحمد عرابي ورفاقه إلي جزيرة سيلان. ولكن هل ينكر أحد أن حركة عرابي كانت من أهم حركات تمرد المصرية.