يخرج علينا تاجر «شنطة الحوارات» في ثلاثة أو أربعة لقاءات تليفزيونية خلال ساعتين، ولأنه مطالب بالحديث، وأيضًا الإسهاب في التفاصيل، ودون تفكير أو تركيز، نراه يخلط ويعجن ويطلق الغث من القول والتفسير والاستنتاج، فنجد أغلبهم – إن لم يكن كلهم – يركزون على كلمة «الأسلمة» عندما يتحدثون عن التمكين الإخواني، وكلمة من هنا، وكلمة من هناك، تسمع منهم تطاولاً على الدين، وربما تجاوزاً في حق الرموز والثوابت الدينية، وكأنهم يبررون لأنفسهم المبالغة في الهجوم لإيصال أفكارهم، وهذا عيب كثير من السياسيين الناشطين تليفزيونياً، مرجعه إلى نقص الثقافة وقلة الاطلاع، ولو كلف بعضهم نفسه وذهب إلى سور الأزبكية أو ما بقى منه في القاهرة، وبحث عن الكتب وقرأها لعرف أن الإسلام شيء والإخوان شيء آخر. وللأسف الشديد، بعض الذين يخلطون أسماء معروفة، وتقود تيارات معارضة في دولها، وتعمل بإخلاص ضد الهيمنة الإخوانية، وقد استطاعت خلال السنة الماضية أن تكسب تعاطفاً ملحوظاً من الفئات المترددة أو المخدوعة، وخاصة في مصر بعد الأشهر الأولى العقيمة من حكم الإخوان، والصحوة المتأخرة للذين أيدوهم بعد يناير 2011، تلك القيادات أصبحت تركز في أحاديثها على الأسلمة وكأنها معادية لدين الأمة، وهذا الطرح المختلط بالجهل يقدم خدمة كبيرة للإخوان، فالناس لا يرضون بمس دينهم، ومن يركز هجومه على الإسلام ابتداء ثم يتبعه بكلمة «السياسي» أو «الرجعي» أو «السلفي» أو «الجهادي» أو «الإخواني» يستفز الغالبية العظمى من أبناء شعبه، ويزيد من حيرتهم وترددهم، فهم كما يرفضون فئوية الإخوان يرفضون إنكار الآخرين لهويتهم وانتمائهم، وقد خسرت القوى الوطنية كثيراً في الآونة الأخيرة من هواة الظهور والخوض فيما لا يفهمون أو يعرفون، وبدأت مظاهر اليأس منهم ومن طريقة إدارتهم للخلاف السياسي تبرز عبر تشكيل تنظيمات شبابية أكثر دقة في رؤيتها ومطالبها، وأيضاً في مواجهتها لأخونة الدولة والمجتمع. الأسلمة تعني الصدق والتسامح وبث روح المودة، والقبول بالاختلاف لأنه رحمة، والاتفاق على المبادئ والأركان لأنها رأس الإيمان، وتعني الأسلمة أن يأمن كل إنسان على حياته، وان يتنقل دون خوف، وان ينال حقه دون ظلم، ويؤدي واجبه حباً في الله وليس مجاملة لحامل العصا المتسلط، وان ينام في بيته قرير العين لا تنتهك حرمته، وتعني الأسلمة أن يحكم الحاكم بالحق، وان يعدل بين الناس، وان يوفر لهم الحياة التي تحفظ لهم كرامتهم، وان يؤمن كل متطلباتهم الضرورية، وأن يشعر هو أيضاً بالأمان فينام كما نام الفاروق عمر رضي الله عنه في زاوية المسجد دون فرق حماية أو طوق أمني، تلك هي الأسلمة الغائبة عن أذهان المختلطة أفكارهم، أما الأخونة فهي شيء آخر، هي ما نراه في تجارب ربيع 2011، حقد وكراهية وانتقام، وفرض رأي وفكر مستحدث على كل فئات المجتمع، وقسوة في الفعل وردة الفعل، وتضحية بالغالبية من أجل الأقلية، وتغليب استنتاجات رموزهم على ثوابت الدين الحنيف، وترويع الآمنين وإطلاق الرعاع لإرهاب أصحاب المطالب والحقوق، وإبدال الحجة بالسوط، والإعلاء من شأن أصحاب السوابق وتشويه سمعة المخالفين لهم، والاعتداء على القضاة، وتغيير المبادئ الدينية لصالح الجماعة، وخلخلة الأمن، والحط من الكرامة الوطنية. ما نراه اليوم هو عصر الأخونة وليس الأسلمة، فنحن والحمد لله أمة الإسلام، قبل الإخوان وبعدهم بإذن الله، ما عرفنا الإلحاد، وما خرجنا على الإجماع، وما ناصرنا طائفة باغية على طائفة أخرى، وعندما كان بعض أعضاء مكاتب إرشادهم ينخرطون في تنظيمات شيوعية ويسارية متطرفة كانت الأمة تقبض على دينها كالقابض على الجمر، وكانت بيوت الله عامرة بالمؤمنين الثابتين على الحق، ومازالت كذلك، تأخذ عبرها وأحكامها من السيرة المطهرة وما فسره الفقهاء واستقرت عليه الأفئدة، وفينا من أخذ اليسر من الدين، وفينا من أخذ العسر والتشدد، ولم يُكفّر هذا ذاك، وتعايش الناس في وئام زمن الرخاء، واصطفوا مع بعض أيام الشدة والبلاء. هذه هي الأسلمة، وتلك هي الأخونة، ومن الجائر أن نخلط بينهما، فالإسلام عظيم، وفكر الإخوان لا يساوي قطرة في بحر الإسلام، ولينتبه أصحاب السياسة وضيوف البرامج الحوارية، وليسموا الأشياء بأسمائها.