لم تكن اعتصامات ماسبيرو وما أدي إليها مفاجأة لكل من تابع الأخطار والمكائد التي تتعرض لها الوحدة الوطنية منذ سنوات طويلة، ومتابعة الصحف ووسائل الإعلام خير دليل علي أننا جميعاً أسرفنا في القول دون الفعل.. وقد وجدت في أوراقي القديمة هذا المقال الذي نُشر بجريدة الوفد يوم 3 أكتوبر 1995، ولم أجد ما يمكن أن أضيف أو أطرح منه.. وأعُيد نشره اليوم لعلنا ندرك أن اليوم يشبه البارحة.. وفيما يلي نص المقال: الدولة الحديثة دولة وطنية بمعني أن رابطة المواطنة هي مناط الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الانتماء الديني أو العرقي أو اللغوي. ومصر اليوم دولة وطنية بهذا المعني ولم تكن علي هذه الحال دائماً بل وصلت إلي ذلك عبر تطور بدا منذ عهد محمد علي الذي خرج بمصر من العصور الوسطي إلي العصر الحديث، واستمر هذا التطور حتي اكتمل إبان ثورة 1919 التي رفعت شعار »الدين لله والوطن للجميع« وكانت دماء الثوار التي روت أرض مصر دليلاً قاطعاً علي أن الوحدة الوطنية حقيقة لا مجاز، وأن الدولة الوطنية تقوم علي أساس واقعي، دون أن يعني هذا بحال أن شعب مصر المتدين قد أحل الانتماء الوطني محل الانتماء الديني ولكنه ميز بينهما وأدرك أن لكل مجاله. استطاعت مصر حتي الآن بوحدتها الوطنية أن تنجو من الصراعات الداخلية التي تمزق أقطاراً شقيقة وغير شقيقة دون أن تنتهي لشيء.. تخبو وتشتعل ولكنها تظل دائماً عنصر فرقة وعائقاً في طريق التقدم. والسؤال الآن: هل الدولة الوطنية بهذا المعني تحظي بقبول عام؟.. وهل هناك صيغة بديلة يمكن أن تحل محلها؟ وحتي لا نمعن في التجريد لنتفق أولاً علي أن قضية تعدد اللغات في وطن واحد لا وجود لها في مصر، كذلك تعدد الأجناس فقد استطاعت أرض الوادي أن تستوعب الوافدين إليها بعد جيل أو جيلين لا يبقي إذن إلا تعدد الأديان. وبالتحديد يكون السؤال: هل الدولة الوطنية في مصر التي تجمع بين المسلمين والأقباط دون تمييز تحظي بقبول عام؟.. وهل هناك بديل مقبول لهذه الصيغة؟ أعتقد أن كل مصري يشعر بمصريته سوف يجيب علي السؤال بنعم وعلي الثاني بلا، ولكن ليس من مصلحة الوطن أن تتوه هذه الإجابة وسط أمواج صاخبة من السفسطة التي يظنها البعض مناورات سياسية.. ومن هنا فإن الحديث عن الديمقراطية وتداول السلطة وحقوق الإنسان لا معني له إلا في إطار قبول الدولة الوطنية. والدولة الوطنية تنهار من أساسها إذا اختلط الخطاب السياسي بالخطاب الديني لأن الأول موجه إلي الشعب في مجموعه والثاني موجه بالضرورة إلي طائفة منه.. والخلط بين الخطابين يؤدي حتماً إلي أن يتصارع شعبان علي وطن واحد، وبقاء مصر وسلامتها رهين بأن لا يحدث ذلك، وبقاء مصر وسلامتها لا يصلحان محلاً للمناورة. فعلي الحاكم والمحكوم كلاهما الامتناع عن اللعب بالنار، لأن الدين لن يكون لله إلا إذا كان الوطن للجميع.